الوقت- بعد تحرير الجيش السوري وحلفائه لآخر معاقل تنظيم داعش الإرهابي في العاصمة دمشق، يستعدّ الجنوب السوري وعاصمته درعا والتي تسمّيها فصائل المعارضة المسلحة والإرهابية بـ "مهد الثورة السورية"، لمواجهة عسكرية من العيار الثقيل في القريب العاجل، هذه المواجهة سيكون لها أثر كبير على الأزمة السورية، وذلك لما لها من أهمية كبيرة على الصعيد الداخلي والخارجي، حيث تتمثل أهميتها على الصعيد الداخلي بمركزها الاستراتيجي ووقوعها على الحدود الأردنية الفلسطينية، أما على الصعيد الخارجي ستشكل هزيمة نوعية للأمريكي و"الإسرائيلي" اللذين يعملان بشتى الوسائل لصمود الإرهابيين أمام انتصارات الجيش العربي السوري.
أهمية الأردن في الأزمة السورية
وأمام هذه الأحداث المضطربة التي يشهدها الجنوب السوري، يتساءل المحللون عن الدور الذي من الممكن أن تلعبه الأردن فيها، حيث لطالما كانت عمان بسبب موقعها الجيوسياسي الاستراتيجي تلعب دوراً مهمّاً في جميع الأزمات التي ضربت وتضرب المنطقة، فهي لديها حدود مشتركة مع كل من العراق والسعودية وسوريا وفلسطين المحتلة، هذا الموقع الجيوسياسي كان له الأثر الأكبر على الأزمة السورية إذ كانت تستغله في سبيل تقديم الدعم المادي واللوجستي للإرهابيين في درعا.
ففي بداية الأزمة السورية أعلنت الأردن وقوفها إلى جانب المعارضة المسلّحة في درعا، إلا أنه بعد 7 سنوات من الحرب السورية، تغيّرت الخطط والاستراتيجيات الأردنية وذلك لأسباب عديدة من ضمنها انتصارات الجيش السوري والخطر الأمني الذي من الممكن أن تشكّله الجماعات الإرهابية على الداخل الأردني، لذلك أصبحت عمان ملزمةً بإبقاء علاقاتها مع الحكومة السورية على أقل تقدير، وإمساك العصا من المنتصف علّها تنقذ نفسها من الغرق في أتون الحرب الإرهابية التي تقف عن أبوابها الجنوبية.
العلاقات المتقلبة للأردن مع دمشق
1- المعارضة للحكومة السورية:
واكب الأردن منذ بداية الأزمة السورية الدول العربية، فقام بتخفيض تعاملاته مع البنوك السورية كما خفف من مبادلاته التجارية مع دمشق. وفي مقابلة مع قناة الـ BBC، دعا الملك الأردني الرئيس السوري بشار الأسد إلى التنحي عن منصبه إذا كان يريد مصلحة شعبه، وقام الأردن أيضاً بسحب سفيره من سوريا، كما سمح للأمريكيين بإقامة معسكرات تدريبية للإرهابيين على أراضيه كما لعبت "غرفة الموك" في الأردن، بقيادة وكالات الاستخبارات الأمريكية وبريطانيا والكيان الإسرائيلي، دوراً بارزاً في إدارة وتصميم بعض العمليات الإرهابية في سوريا.
2-التنسيق مع الحكومة السورية
خلال الأزمة السورية تغيّرت المواقف الأردنية من الحكومة السورية، فعادت العلاقات التجارية إلى سابق عهدها، كما قامت عمان بالتنسيق مع الحكومة السورية لتنفيذ عدة هجمات عسكرية على بعض مواقع داعش عند الحدود الأردنية وذلك في الذكرى السنوية لإحراق داعش للطيار الأردني. وبعد انتصار الجيش السوري في مدينة حلب، سافر وفد رفيع المستوى من الأردن إلى روسيا من أجل التفاوض مع الحكومة الروسية لحلّ مشكلاتها الحدودية مع سوريا وخلق مناطق خفض التصعيد في المناطق الجنوبية. كما قام الأردن بتخفيف دعمه للإرهابيين عندما رأى الانتصارات المتتالية للجيش السوري والتي كان آخرها تحرير دمشق وأريافها بالكامل من الجماعات الإرهابية.
وجهات النظر الأردنية حول سوريا
مع تغيّر الظروف الميدانية في سوريا، تغيّرت السياسة الأردنية إلى حدّ ما، ويمكن رؤية هذه التغيرات على الشكل التالي:
1- وحدة الأراضي السورية
من الناحية الجيوسياسية، يرى محللون أن تقسيم سوريا سيهدّد بشكل مباشر الأمن القومي الأردني، حيث لطالما كانت الجماعات الإرهابية وقياديها مثل أبو مصعب الزرقاوي يرغبون بإقامة دولتهم في عمان ومنها ينطلقون إلى البلاد المجاورة، حيث رأت عمان أن وجود التيارات الإسلامية على حدودها وتواصلها مع بعض الجماعات التكفيرية داخل الأردن يشكّل خطراً على النظام الأردني، ونتيجة لذلك، أكد السفير الأمريكي في الأردن على الشراكة القوية بين أمريكا والحكومة الأردنية في سبيل توفير أمن حدودها مع سوريا ردّاً على التحديات الأمنية، وترى عمان أن نجاح المجموعات التكفيرية بتقسيم سوريا، سيؤدي إلى حشد المجموعات الجهادية السلفية من جميع أقطار العالم وهنا ستكون الأردن بلا شكّ أمام خطر مواجهة أعداد كبيرة من الإرهابيين.
2- أزمة اللجوء
الأردن هي واحدة من الدول الرئيسة التي تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين، ووفقاً للأمم المتحدة، هناك 660 ألف لاجئ سوري مسجّل في الأردن، لكن الحكومة الأردنية أعلنت أنّ عدد اللاجئين الحقيقي يتجاوز المليون شخص، وتعدّ المشكلات التي يواجهها الأردنيون تصبّ في مجالات الأمن والصحة والسكن والتعليم الناتجة عن هذه الأزمة، لذلك ترغب الأردن بعدم تبدّل موازين القوى عند الحدود السورية لمصلحة الجماعات الإرهابية التي في حال نجحت سيكون لها تأثير مباشر على هؤلاء اللاجئين الذين سيكونون اليد التي يضرب بها التكفيريون في الداخل الأردني.
3- المحافظة على مناطق خفض التصعيد في الجنوب السوري
ومن بين القضايا الأخرى التي دفعت الأردن في بعض الأحيان إلى تقليص حدّة سياساتها العدائية تجاه الحكومة السورية، هي قضية خلق مناطق خفض التوتر في جنوب سوريا، التي دفعت بالأردنيين للجلوس مع الحكومة السورية من أجل حلّ هذه المشكلة تحت المظلة الروسية، وكان سبب إصرار الأردن على إنشاء هذه المناطق هو ضبط الحدود الأردنية السورية، حيث نفذت عدة عمليات انتحارية ساهمت في زعزعة الأمن الداخلي لعمان.
ختاماً، يعتقد بعض المسؤولين في الأردن أن الوقت قد أصبح مناسباً الآن للتفكير في العودة بالعلاقات إلى مستويات ما قبل الحرب مع الحكومة السورية، هذا التقلّب كان سببه تغيّر الظروف الميدانية والسياسية لمصلحة الحكومة السورية وحلفائها، كما يمكن القول إن ثلاثة أسباب أخرى دفعت الأردن لفتح قنوات جديدة للتواصل مع الحكومة السورية وهي أزمة اللاجئين، مناطق خفض التصعيد، وخطر تقسيم سوريا على الأمن القومي الأردني.