الوقت- يعدّ حصول تحالف "سائرون" بقيادة الزعيم مقتدى الصدر حدثاً مهمّاً، أعاد تسليط الضوء مجدداً على هذه الشخصية السياسية والدينية، فبعد مضي أسبوع على الانتخابات البرلمانية العراقية، والتي شارك فيها بحسب المفوضية 44,5 في المئة من الناخبين، حلّ تحالف "سائرون" الذي يجمع مقتدى الصدر والحزب الشيوعي وبعض أحزاب التكنوقراط، في المرتبة الأولى بـ 54 مقعداً، ومع ذلك، فإن هذا النجاح لا يعني قدرة هذا التحالف النهائية على إنشاء حكومة جديدة بشكل منفرد، لكن الحقيقة هي أن مقتدى الصدر أصبح من جديد أكثر شخصية عراقية مؤّثّرة على المشهد العراقي الداخلي والخارجي، كما تعدّ أمريكا، التي تتدخل دوما في التطورات العراقية في السنوات التي أعقبت عام 2003، من أكثر المتشائمين من هذه النتائج إذ إن محور "مناهضة أمريكا" في العراق قد انتصر وهي تسعى اليوم بشتى الطرق إلى كسب تحالفات جديدة تتمكن من خلالها البقاء قدر المستطاع في العراق.
وتسعى أمريكا اليوم إلى استمالة الزعيم الصدري إلى جانبها بالرغم من مواقفه المعادية لواشنطن، ففي إحدى المقالات التي كتبها السفير الأمريكي السابق في العراق، زالماي خليل زاد، في صحيفة واشنطن بوست اعتبر فيها أن الرسائل الأخيرة من مقتدى الصدر تبشّر بشيء إيجابي بالنسبة للمصالح الأمريكية، منها القضاء على داعش الذي يعتبر عدواً مشتركاً لأمريكا والعراق، وتعهده باحترام الدستور العراقي، حيث قال خليل زاد متحدثاً عن الصدر "إذا كان سينفّذ ما يقوله، وإذا كان خصماً سابقاً يحتضن أهدافك، يجب أن يستجيب المرء لذلك، وإذا كان على استعداد للمشاركة، يجب أن نكون مستعدين للمشاركة أيضاً". ويرى محللون أن كلام خليل زاد يحمل رسالتين، الأولى هي أن الأمريكيين يأملون في إيجاد أرضية للتعاون مع الصدر، والثانية هي أن واشنطن، وبطريقة ما، خلال المفاوضات الخاصة بتشكيل الحكومة، بعثت برسالة إلى الصدر مفادها أن أمريكا لا تتعامل معه من موقف العدو وهي مستعدة إلى تقديم الحماية الكاملة له.
وعلى الرغم من الجهود الأمريكية لإقامة تفاهمات مع مقتدى الصدر، إلا أنه بحسب محللين ستؤول هذه الاتصالات إلى الفشل وذلك مؤكد بالنظر إلى العلاقات المضطربة بين الطرفين خلال السنوات التي أعقبت الاحتلال العسكري العراقي في 2003، وثانياً، بالنظر إلى النظرة السياسية وشخصية الصدر الذي يفتخر بعدائه العلني للتدخل الأمريكي في العراق.
1. الخلفية التاريخية لمعارضة مقتدى الصدر للأمريكيين في العراق منذ عام 2003:
في عام 2003، وبعد سقوط النظام البعثي، كان الاتجاه السائد في العراق يقوم على نهج تعاوني وإيجابي في العلاقات مع واشنطن، حيث فضلت الكثير من الكتل السياسية آنذاك الصمت والوقوف إلى جانب الأمريكيين، إلا أن مقتدى الصدر كان الشخصية العراقية الوحيدة التي رفعت الصوت ضد الاحتلال داعية إلى انسحابه الفوري من العراق، هذه الثورة بدأت بعد قرار الحاكم الأمريكي بول بريمر بإغلاق صحيفة الحوزة الأسبوعية الناطقة بلسان الصدر بتهمة نشر مقالات تحرّض على العنف ضد القوات الأمريكية، وقد تطوّرت الأحداث إلى مواجهات دامية بين أنصار الصدر وقوات الاحتلال، وحثّ الصدر أتباعه على ترويع العدو المحتل بعد أن قال إن الاحتجاجات السلمية لم تعد مجدية، وبناءً عليه قام بإنشاء "جيش المهدي" في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2003، وبدأت المعارك بين القوات الأمريكية وجيش المهدي في 14 مايو/أيار 2004 في مدينة النجف واتسعت دائرة المواجهات بين الطرفين وشملت مدناً عديدة كالنجف والبصرة والناصرية والعمارة، فضلاً عن مدينة الصدر في بغداد، واستمر هذا العداء للأمريكي حتى يومنا هذا، إذ إن الصدر يرفض أي تدخل خارجي وخصوصاً أمريكي حيث يرى أن ذلك يهدف إلى تقسيم العراق وقتل أبنائه.
2. الروح المناهضة للاحتلال والمطالبة بالاستقلال عند مقتدى الصدر
وتعدّ الشعارات التي كان يطلقها الصدر في السنوات الماضية والتي كان أغلبها رافضاً للتدخل الأمريكي في العراق من المسائل الأخرى التي تؤكد استحالة نجاح الأمريكيين في مساعيهم لاستقطاب الصدر إلى حلفهم في العراق، ففي العام الماضي ومن قلب المنطقة الخضراء التي تقع فيها السفارة الأمريكية، دعا الصدر مناصريه إلى التظاهر ضد سياسات واشنطن في العراق، وبالفعل لبّى مئات الآلاف من العراقيين النداء رافعين شعارات " بالدم بالروح نفديك يا عراق"، وشعار "الموت لأمريكا"، وأعلن الصدر آنذاك تبرؤه من أعضاء التيار الصدري الذين سيستمرون في حكومة العبادي المدعومة أمريكياً، كما لا يمكن أن ننسى ما قاله الصدر قبل صدور نتائج الانتخابات العراقية، حيث وصف تدخل المبعوث الأمريكي في الشأن العراقي بالأمر القبيح وغير المرغوب به.
3. الثأر الشخصي من الأمريكيين
تعدّ محاولات الاغتيال التي تعرّض لها مقتدى الصدر من قبل الأمريكيين من أبرز الأسباب التي ستؤدي بشكل حتمي إلى فشل المساعي الأمريكية في استمالة الصدر إلى جانها، ووفقاً للوثائق المنشورة في كتاب جون نيكسون، المحقق الأمريكي مع صدام حسين، الذي أشار إلى أنه خلال الفترة ما بين عامي 2005 و2007، حثّ الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش على ضرورة اغتيال مقتدى الصدر، إضافة إلى ما كشفه السفير الأمريكي السابق في العراق منذ يومين عن حقيقة محاولة اغتيال الصدر إذ قال " صحيح أن الصدر قتل عدداً من جنودنا لكننا أيضاً قتلنا عدداً كبيراً من شعبه وكنّا على وشك قتله لولا تدخل المرجع السيستاني". لذلك، فمن غير المحتمل، نظراً للأبعاد الشخصية لمقتدى الصدر، أن يكون مستعداً للتفاوض والتعاون مع من أرادوا اغتياله قبل 10 سنوات.