الوقت - تحظى الانتخابات البرلمانية العراقية المقرر إجراؤها في 12 مايو/أيار الحالي بأهمية خاصة لعدة أسباب في مقدمتها، خروج العراق منتصراً على الجماعات الإرهابية خصوصاً تنظيم "داعش"، وكون هذه الانتخابات تأتي بعد شهور قليلة من "استفتاء الانفصال" الفاشل الذي أجراه إقليم كردستان العراق في 25 أيلول/سبتمبر الماضي.
وتشارك في هذه الانتخابات كيانات سياسية مهمّة تمثل كل أطياف الشعب العراقي من بينها "تحالف النصر" الذي يتزعّمه رئيس الوزراء "حيدر العبادي" وتحالف "دولة القانون" الذي يتزعّمه نائب رئيس الجمهورية رئيس الوزراء السابق "نوري المالكي" و"تحالف الفتح" الذي يرأسه القيادي في الحشد ورئيس منظمة بدر "هادي العامري" و"تيار الحكمة" الذي يتزعمه "السيد عمار الحكيم" وتحالف "سائرون" التابع للتيار الصدري الذي يتزعّمه "السيد مقتدى الصدر" و"ائتلاف الوطنية" بقيادة النائب الثاني للرئيس العراقي، ورئيس الوزراء الأسبق "إياد علاوي" و"ائتلاف القرار" بزعامة النائب الثاني للرئيس العراقي "أسامة النجيفي" وتحالف "بغداد" التابع لرئيس البرلمان العراقي الأسبق "محمود المشهداني" و"التحالف المدني" الذي يضم عدداً من الأحزاب والشخصيات المستقلة.
ومن المقرر أن يشارك أكثر من 24 مليون ناخب عراقي من مجموع العراقيين البالغ عددهم 37 مليون نسمة لاختيار 329 نائباً من بين المرشحين المنتمين لأكثر من 140 حزباً سياسياً في إطار 27 تحالفاً، وكل تحالف يضم عدداً من الأحزاب، وينص الدستور العراقي على أن مدّة الدورة الانتخابية لمجلس النوّاب "أربع سنوات".
ومن المعروف أن البرلمان العراقي هو الذي ينتخب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وهذا يبيّن مدى أهمية الانتخابات التشريعية في هذا البلد، إلى درجة يمكن القول معها بأنها ستقرّر مصير العراق في جميع المجالات.
ومن الأمور الأخرى التي تجعل هذه الانتخابات مهمة، أنها تجري وسط أجواء ملبدة بالاختلافات السياسية بين المكوّنات المختلفة، وفي ظل ظروف أمنية معقّدة بسبب وجود الخلايا النائمة التي مازالت تمثّل حواضن خطرة لما تبقى من العناصر الإرهابية والتكفيرية في بعض مناطق العراق خصوصاً في المنطقة الغربية.
وتُقام الانتخابات البرلمانية في العراق على أساس ما يعرف بـ "القائمة المفتوحة"، أي يمكن للناخب اختيار أي قائمة من بين القوائم المرشحة لخوض هذا السباق، كما يمكنه منح صوته لأي مرشح داخل القائمة الواحدة.
وتجدر الإشارة إلى أن النساء في العراق يتم تمثيلهن في البرلمان بنسبة 25 بالمئة من مجموع النوّاب، كما يتم تمثيل الأقليات بعدد من المقاعد النيابية بينها خمسة للمسيحيين وواحد للصابئة المندائيين وواحد للطائفة الإيزدية وواحد لطائفة الشبك.
ويمثل الأكراد في هذه الانتخابات تحالف "الوطن" الذي يتزعمه نائب رئيس الوزراء الأسبق "برهم صالح" والذي يضم حزب التغيير "كوران" و"الجماعة الإسلامية". وشكّل كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، لائحتين منفصلتين، ومن هنا بات تشتت الأكراد غير المسبوق ملحوظاً في هذه الانتخابات.
من خلال قراءة هذه المعطيات يمكن القول بأن الانتخابات البرلمانية العراقية تتميز بحسّاسية عالية نتيجة التنافس الشديد بين الكتل والأحزاب السياسية المشاركة فيها، ومن المؤشرات البارزة على هذه الحسّاسية هو الترقّب الواضح لنتائجها من قبل العديد من الدول بينها إيران وتركيا وأمريكا والسعودية لما يحظى به العراق من أهمية إقليمية ودولية على كل الأصعدة.
ومن الصعوبة بمكان الجزم بما ستؤول إليه نتائج الانتخابات العراقية، لكن يمكن من خلال استقراء المعطيات رسم صورة أوّلية لشكل البرلمان القادم ومكوّناته نتيجة تشتت القوى السياسية وتفرّق الشخصيات التي تحظى بدعم شعبي ما قد يؤدي إلى استبعاد أن تفوز إحدى القوائم المشاركة بنسبة أعلى بكثير من مثيلاتها، أمّا سيناريو أن تكون المقاعد متقاربة بين القوائم المشاركة فهو الأكثر ترجيحاً.
ومن المرجّح أيضاً أن تكون أمام الحكومة العراقية التي ستتشكل بعد الانتخابات فرص كثيرة يمكن استثمارها للنهوض بواقع البلد، ما يفتح آفاقاً للتطور في كل الجوانب الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وإمكانية تعزيز علاقات العراق الإقليمية والدولية، وتشير المتغيرات التي يشهدها هذا البلد بأنه سيكون أكثر استقراراً، وسيكون لذلك أثر كبير في تعزيز الثقة بالحكومة القادمة التي ستفرزها الانتخابات من خلال مجلس النوّاب المنتخب.
والتساؤل الذي يخالج خواطر المراقبين والمهتمين بالشأن العراقي: هل ستكون حكومة الشراكة الوطنية قادرة على تحمّل الأعباء والمسؤوليات التي تترتب على تسلّمها زمام الحكم في البلد؟ وهل التنافس السائد بين الشركاء سيساعد على تجاوز الأزمات الحالية؟ وهل ستكون الحكومة القادمة تنافسية الجوهر أم تعاونية؟.
هذا ما ستشكفه الأيام، وكلّنا أمل في أن يتمكن العراقيون بكل أطيافهم من تحقيق النجاح في شتى الميادين.