الوقت - شهدت العلاقات الإيرانية - السعودية الكثير من التوتر خلال السنوات الأخيرة وصلت إلى درجة القطيعة الدبلوماسية من جانب، والتهديد باستخدام القوة العسكرية ضدّ الطرف المقابل من جانب آخر.
وعلى الرغم من التفوّق الواضح لإيران على السعودية في الجانب العسكري وامتلاك القوة البشرية المستعدّة للتضحية والمتمثلة بمحور المقاومة الذي يتصدّى للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة إلّا أن السعودية التي تنظر لإيران على أنها المنافس الاستراتيجي لها في المنطقة ونتيجة الهزائم الكبيرة التي تحمّلتها في العراق وسوريا واليمن عمدت إلى انتهاج سياسة لمواجهة قوة إيران، تعتمد بالدرجة الأولى على الدعم الغربي بقيادة أمريكا والتقارب مع الكيان الصهيوني تحت غطاء مواجهة الاتفاق النووي الإيراني المبرم قبل حوالي ثلاثة أعوام مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا، والتلويح دوماً بما بات يعرف باسم "إيران فوبيا".
وصرّح العديد من المسؤولين السعوديين مراراً وفي مقدمتهم ولي العهد "محمد بن سلمان" ووزير الخارجية "عادل الجبير" بأن إيران هي العدو الأول للسعودية وليست إسرائيل، في إشارة واضحة إلى ضرورة تغيير دفّة المواجهات السياسية والعسكرية والإعلامية ضدّ إيران وليس ضد الكيان الصهيوني.
وبعد وصول الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير 2017 سارعت السعودية إلى الارتماء بحضن واشنطن بشكل واضح علّها تتمكن من مواجهة قوة إيران في المنطقة، وهذا الارتماء لم يكن سهلاً دون الرضوخ والانصياع لكامل الأوامر الأمريكية بضرورة وضع كل إمكانات السعودية في خدمة المشروع الصهيوأمريكي الرامي إلى تمزيق المنطقة والعبث بمقدراتها ومصيرها.
والمتابع للخطوات والإجراءات التي اتخذتها السعودية سواء ضد اليمن والعراق وسوريا أم ضد الشعب البحريني الذي يطالب بالحريّات السياسية ورفع التمييز الطائفي وإشاعة العدل داخل البلاد يدرك تماماً أن الرياض قد ارتمت في الحضن الأمريكي لتنفيذ رغبات وأهداف ومآرب واشنطن في المنطقة.
والضغط على قطر من قبل السعودية وحلفائها لاسيّما الإمارات والبحرين والذي وصل إلى حدّ الحصار الشامل، والتهديد باستخدام القوة العسكرية يأتي في ذات السياق الذي تنتهجه الرياض لتوجيه الحربة ضدّ إيران باعتبار أن قطر رفضت في وقت سابق الإجراءات التصعيدية ضدّ إيران وطالبت بالتفاهم معها حول قضايا المنطقة.
وعلى الرغم من المشكلات التي تواجهها السعودية في الداخل المتردي ومحاولاتها تصدير أزماتها إلى الخارج وقيامها ببعض الإصلاحات الظاهرية من قبيل السماح للمرأة بقيادة السيارة ومشاركة الرجال في دخول الملاعب الرياضية والسينما إلّا أنّ هذه الحلول لم تجدِ نفعاً لأن الجرح السعودي عميق جداً ولا يمكن التئامه من خلال هذه الإجراءات المحدودة جداً خصوصاً وأنها غارقة حتى أذنيها في المستنقعين اليمني والسوري وتعاني من عجز كبير جداً في الميزانية بسبب تكاليف العدوان على اليمن ودعم الجماعات الإرهابية وتدني أسعار النفط في السنوات الأخيرة.
التقارب مع الكيان الصهيوني إلى حد التطبيع من قبل السعودية بات واضحاً للعيان وتعتبره الرياض بمثابة ورقة رابحة لمواجهة قوة إيران ولاسيّما بعد موافقة السعودية على قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، ومزاعم "محمد بن سلمان" و"عادل الجبير" المتكررة بأن إيران هي من تمثّل خطراً على المنطقة وليست "إسرائيل".
ويعاني النظام السعودي منذ نشوئه من عقدة التشكيك بمشروعيته باعتباره قائماً على القبلية وتوارث المناصب العليا في البلاد من الآباء إلى الأبناء حيث لا وجود لأي معنى للديمقراطية في السعودية فضلاً عن الاعتقالات والتعذيب للمعارضين للنظام الذي يصل إلى حدّ الإعدامات، إضافة إلى التمييز الطائفي والمناطقي الذي أدّى إلى حرمان الكثير من أبناء الشعب من الوظائف الحكومية، وكذلك تشديد المضايقات الماديّة على الشعب تحت غطاء التقشف والأزمة الماليّة المتفاقمة في البلاد.
والتقارير الدولية التي تصدرها الكثير من المنظمات الحقوقية والإنسانية والتي تدين النظام السعودي لارتكابه جرائم بشعة ضد الشعب اليمني ودعم الجماعات الإرهابية والمتطرفة في المنطقة والعالم وانتهاك الحريّات الشخصية داخل السعودية تؤكد بأن هذا النظام يعيش أوضاعاً متأزمة جداً دفعته لتقديم رشاوى طائلة للكثير من المسؤولين المؤثرين في صناعات القرارات الدولية المتعلّقة بحقوق الإنسان من أجل غضّ الطرف عن تلك الجرائم، لكن هذا لا يعني أن السعودية باتت في مأمن من العقاب خصوصاً بعد إقرار ما يعرف بقانون "الجاستا" في أمريكا والذي أجاز للعوائل التي تعرّضت لعمليات إرهابية، مقاضاة السعودية والحصول على تعويضات ماليّة كبيرة طبقاً لهذا القانون.
ومن أجل تأخير انهيار النظام السعودي عمدت الرياض إلى التركيز على وتر "التخويف من إيران" مقابل تأكيد استعدادها على تحمل نفقات وجود القوات الأمريكية في سوريا وعموم المنطقة، وهذا الأمر ظهر بوضوح خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" قبل أيام إلى الرياض حيث أكد الجانبان ضرورة تشديد الضغط على إيران، الأمر الذي يُعدّ مجاهرة صريحة بالعداء لطهران التي تمتلك كامل الحق للردّ على هذه التهديدات حتى وإن تطلّب الأمر دعم المعارضة السعودية التي تعمل جاهدة لإسقاط نظام آل سعود بكل الوسائل المتاحة.
هذه المعطيات وغيرها تؤكد بأن الاستراتيجية التي تنتهجها السعودية لمواجهة إيران ستكون في مهبّ الريح خصوصاً بعد الانتصارات الكبيرة التي حققها محور المقاومة المدعوم من طهران على الجماعات الإرهابية المدعومة من الرياض ولاسيّما في سوريا والعراق.