الوقت- تتسارع التطورات في اليمن يوماً بعد يوم وتنقشع الغيوم السوداء عن هذا البلد الذي كان يعرف بـ "اليمن السعيد" يوماً، لتنفضح معها همجية العدوان وآثاره السلبية على كل شيء، ومن الجيد في هذه المرحلة أن تعاضض اليمنيين في وجه العدوان السعودي وما يسمى" الحكومة الشرعية" يزداد، وبعد أن خسرت الأخيرة شرعيتها الحقيقية لكون السعودية عجزت عن منحها لها، بدأت حشود اليمنيين من عدة محافظات تتظاهر ضد "الشرعية" مطالبةً بإسقاطها.
كان لافتاً يوم أمس السبت خروج مظاهرات بالعشرات وربما بالآلاف من محافظة تعز الخاضعة لسيطرة قوات التحالف للمطالبة بسقوط الشرعية وسقوط "تحالف العدوان"، وفي مديرية الشمايتين خرجت حشود غفيرة رافعةً شعارات تطالب بوقف العدوان وإسقاط التحالف واصفة السعودية والإمارات بالمحتلين لليمن.
وعن هذه التظاهرات وتفاصيلها قالت مصادر في مديرية الشمايتين لـ "المساء برس" إن المتظاهرين هتفوا بشعارات وصفت السعودية والإمارات بدول الاحتلال وشعارات أخرى طالبت بسقوط "الشرعية الوهمية"، كما طالب المتظاهرون بإسقاط محافظ المحافظة المعين من قبل الرئيس المنتهية ولايته أمين محمود وهتفوا بشعار "يسقط محافظ العدوان"، كما وصفوا قوات طارق صالح التي تنوي الإمارات تسليمها مناطق عسكرية غرب تعز بـ"جيش الارتزاق" وطالبوا أيضاً بسقوط اللواء 35 الذي يقوده العميد عدنان الحمادي أبرز الحلفاء للإمارات إلى جانب أبو العباس.
وفي السياق ذاته وصف محافظ تعز المعين من قبل هادي محمود الجنيد من خرج بالمسيرة بالطابور الخامس والغوغائيين وبأنهم يريدون تقويض مؤسسات الدولة، جاء ذلك في بيان أصدره الجنيد ووزعه على وسائل الإعلام.
طبعاً وللعلم هذه ليست المرة الأولى التي تخرج فيها مظاهرات معارضة لوجود تحالف العدوان وميليشياته، لكنها كانت تقابل دائماً بالعنف والقمع والاعتقالات والتهديد وتنفيذ اغتيالات بحق قادة هذه المظاهرات، إذاً ما الذي تغير حتى خرج أبناء هذه المحافظة بهذه الأعداد الهائلة رغم أن العديد من الكيانات السياسية أصدرت بيانات عن فروعها في المديرية حذّرت من الخروج في مظاهرات ضد "الشرعية والتحالف"؟!.
أولاً: أصبح واضحاً لجميع اليمنيين وليس فقط لأبناء تعز بأن السعودية لا تريد لليمن أن يكون قوياً سالماً له سيادته الخاصة، بل تريد منه أن يكون تابعاً لها ويعيش أبناؤه تحت رحمتها، البعض فهم هذه المعادلة منذ بداية العدوان أي قبل ثلاث سنوات وأكثر ودافع واستبسل لكي لا يحقق السعودي مبتغاه هناك، ونصرة لجميع المظلومين الذين كانت تقتلهم الطائرات والصواريخ السعودية، وأبناء تعز هم من هذا النسيج الذي حاولت السعودية تمزيقه وربما تقسيمه إلى قسمين أو أكثر ليسهل السيطرة عليه، لكن وعي شريحة واسعة من اليمنيين لما يخطط له منع حدوث ذلك.
ثانياً: أبناء تعز مثل بقية إخوتهم في اليمن ضاقوا ذرعاً بكذب التحالف والشرعية ولم يعد باستطاعتهم العيش في ظل انفلات أمني وصراع يومي بين السلفيين والناصريين المواليين للإمارات والإصلاح، فضلاً عن الصراعات المتفاقمة بين فصائل التحالف، لهذه الأسباب هبّ هذا الشعب للوقوف في وجه هذا الخراب الذي يحلّ بمدينتهم علّهم يستطيعون إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
ثالثاً: السبب الأهم في انتفاضة التعزيين هو تحركات الإمارات المشبوهة هناك، والتي تسعى لتحويل الجنوب برمته إلى مستعمرة إماراتية تكون تابعة بكل قيادتها لـ "أبو ظبي"، ففي الوقت الراهن قررت الإمارات إنشاء حزام أمني في تعز على غرار ما حدث في المحافظات الجنوبية، بحسب مصادر يمنية، وأضافت المصادر، "الإصلاح" وجد نفسه أمام معركة حقيقة خصوصاً والإمارات تسعى لتقليص حجمه ونفوذه في مدينة تعز التي أصبح "الإصلاح" الفصيل الأقوى فيها ويسيطر على أغلب مناطق المدينة، وأشارت المصادر إلى أن "الإصلاح" وبعد زيارة وفد من التحالف قبل أسبوع أدرك بأن الإمارات دخلت المواجهة بكامل ثقلها، من خلال الاتفاق مع المحافظ وأبو العباس وعدنان الحمادي والناصريين من أجل إنشاء حزام أمني في المدينة وتسليم قوات طارق جبهة المخاء، وهذا ما جعل "الإصلاح" يصعّد موقفه من خلال مسيرة اليوم.
رابعاً: جاء حديث ابن سلمان مع صحيفة التايم الأمريكية يوم الجمعة ليشعل المظاهرات ويعطيها زخماً أكبر من أي وقت مضى، لأن ابن سلمان قال بالحرف" نحن نبذل قصارى جهدنا للدفع من أجل حلّ إيجابي. نحن نعرف أنها لن تنتهي بدون حل سياسي. ولكن حتى يأتي ذلك اليوم، ليس لدينا خيار سوى مواصلة العملية العسكرية"، إذاً ولي العهد اعترف بأن الحل السلمي هو الحل الوحيد لإنهاء الأزمة في اليمن.
وبهذا الاعتراف يكون ابن سلمان قد وجه طعنة لكل الساسة اليمنيين الذين تآمروا على بلادهم وحاولوا كسب شرعيتهم عن طريق دول خارجية، ويمكن أن نعتبر هذا التصريح اعترافاً ضمنياً بالخسارة والفشل وبأن الحل العسكري لن يجدي نفعاً ويمكننا أن نستقرأ منه أن أنصار الله استطاعوا ردع العدوان وأجبروه على الاعتراف بهم وبأنه لا يمكن تجاوزهم بأي تسوية مقبلة، ولكن ما يؤلم حقاً هذا الكم الهائل من الدماء وهذا الدمار الذي حل بهذه البلاد دون أي هدف واضح لذلك، وكان الأجدى بساسة اليمن أن يصلوا إلى حل توافقي مع أنصار الله خلال مفاوضات الموفمبيك أواخر 2014 والتي كانوا يعرقلون أي اتفاق بشأنها على أمل انتظار تدخل دبلوماسي خارجي يحسم الجدال هناك بتسوية سياسية كتلك التي حدثت في الرياض في 2011.