الوقت- تعتبر خطة دونالد ترامب للانسحاب من الجيش الأمريكي من سوريا واحدة من أكثر القضايا الساخنة في الأيام الأخيرة على الساحة الدولية، حيث قال ترامب في 29 مارس 2018، خلال اجتماع في مدينة ريتشفيلد بولاية أوهايو، إن الوجود العسكري الأمريكي في الخارج لم يحقق اي منافع اقتصادية للبلاد، قائلاً: "لقد هزمنا داعش، سوف نخرج من سوريا قريبا جدا، ليهتم الآخرون بشأنها، قريبا جدا جدا، سنهزم داعش بشكل كامل سريعا جدا، سنخرج من هناك قريبا جدا ونعود إلى بلدنا، حيث ننتمي ونريد أن نكون". وشكلت تصريحات ترامب صدمة كبيرة لكل المحللين والسياسيين الأمريكيين، لأن الانطباع السائد والعقلاني هو أن امريكا لم تكن تخطط لترك سوريا على المدى القصير، وإذا تركت، فإن واشنطن ستكون الخاسر الرئيسي في الصراع القائم مع روسيا وإيران في غرب آسيا، كما شكلت هذه التصريحات موجة من التساؤلات والشكوك بين مراكز الأبحاث الامريكية التي طرحت عدة تساؤلات من بينها هل يمكن تطبيق تصريحات ترامب؟ هل خطة الانسحاب الأمريكية من سوريا مسألة جادة وهل يمكن أن تكون ذات مصداقية؟
سيناريو عمل غير عادي وغير واقعي من ترامب
السيناريو الأول الذي يمكن استخلاصه بعد تصريحات ترامب حول سحب جيشه من سوريا هو أنه أطلق هذه التصريحات دون الرجوع المسبق الى مستشاريه ومعاونيه في الشؤون الخارجية والدفاعية، وهذا الامر يرمز للشخصية النفسية الغير المتوازنة عند ترامب. ويرى محللون ان هذه النفسية الغير متوازنة عند ترامب هي نتاج للخلفية الغير سياسية، إضافة الى النقص في المعطيات لديه فيما يخص زوايا وتعقيدات السياسة العالمية، كما انه استند إلى التقديرات لتكلفة استمرار الوجود الأمريكي في سوريا على غرار وجود الجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان الذي بنظره لم يحقق أي شيء لأمريكا.
ويستدل المحللون على هذا السيناريو بأن وزارة الخارجية الامريكية ووزارة الدفاع وأعضاء مجلس الأمن القومي (NSC) قد فوجئوا بالتصريحات ترامب حول انسحاب الجيش الأمريكي من سوريا. كما وتشير التقارير أيضا، إلى أن مستشاري ترامب عارضوه بشدة حول انسحاب الجيش الامريكي من سوريا وحذروه من العواقب. ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار تصريحات ترامب بالتصريحات الفارغة الغير قابلة للتطبيق.
سيناريو هز الحكام العرب: المنطق الاقتصادي لترامب
على الرغم من وجود عدم تنسيق بين ترامب ووزارة الخارجية وفريقه الاستشاري حول هذا الموضوع، يمكن أن يعزى السيناريو الاخر المرتبط بالانسحاب السريع للقوات الأمريكية من سوريا إلى النهج التجاري والاقتصادي لدونالد ترامب، واستناداً إلى عقيدته في السياسة الخارجية والتي تحمل عنوان " عقيدة الخروج" تعتزم ادارته فرض أعباء مالية على الدول الأخرى عن طريق سحب التزاماتها من أجزاء مختلفة من العالم. وفي هذا السياق، دعا ترامب أكثر من مرة الدول الأوروبية وبعض الدول الأسيوية الى الدفع مقابل امنهم. ومن هذا المنطلق يمكن ربط تصريحات ترامب حول قضية الانسحاب الأمريكي من سوريا بما يتماشى مع هذا المبدأ في جميع أنحاء العالم، وخاصة في غرب آسيا، وإذا أراد حلفاء أمريكا استمرار الوجود الأمريكي العسكري في المنطقة من أجل الحفاظ على أمنهم ومصالحهم، يجب عليهم تحمل العبء المالي.
وتأكيداً على هذا الموضوع، يمكن الإشارة الى تصريح ترامب الذي أدلى به في ولاية أوهايو من العام الماضي، حيث تحدث عن الانفاق المالي للقوات الأمريكية في غرب آسيا قائلاً: فلتفكروا في الأمر معي، لقد أنفقنا هناك 7 تريليونات دولار، هل تسعمون جيدا: أقول ليس مليارا أو مليونا، بل 7 تريليونات دولار، لم يسمع أحد بهذا الرقم حتى 10 سنوات، لقد أنفقنا 7 تريليونات دولار في الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، أكد ترامب مرة أخرى جديته في انسحاب القوات الأمريكية من سوريا وأرسال رسائل إلى الدول التي تريد بقاء أمريكا في سوريا خلال مؤتمر صحفي مع رؤساء دول البلطيق (رؤساء لاتفيا، إستونيا وليتوانيا) في 3 أبريل 2018 (14 أبريل 1396)، مؤكدين أن أولويتهم في سوريا كانت تدمير داعش وقال: حيانا يحين وقت العودة إلى الوطن"، وأضاف "سنتخذ قرارا بسرعة للغاية"، وأضاف ترامب أن هناك دولاً تريد أن تبقى أمريكا في سوريا، وساق مثلا على ذلك بالسعودية "ولكن عليهم في هذه الحالة أن يدفعوا مقابل ذلك". وتابع: "أريد أن أعيد جنودنا إلى الوطن"، مشيرا إلى أن بناء الوطن أهم. ووفقا لتقارير أعدته الـ "CNN" الإخبارية، نقلا عن مصادر مطلعة في البيت الأبيض، حذر دونالد ترامب في محادثة هاتفية أحد حكام الخليج (بن زايد) أنه إذا غادرت أمريكا منطقتهم لن تبقوا في مكانكم لمدة أسبوعين.
ختاماً، ان ترامب يفهم لغة الاقتصاد من منظار آلته الحاسبة وأرقامها ومعادلاتها الحسابية، ويعتمد الابتزاز المالي لحلفائه، والسعوديّة ودول الخليج كأقصر الطُّرق للوصول إلى أهدافه وهو بات يدرك جيدًا، أن بقاء قواته في سوريا في ظل الحرب الباردة التي تزداد سخونةً، بشَكل متسارع هذه الأيام، سيؤدِي إلى المزيد من الخسائر الماليّة والبشريّة معا لذلك يرد خلق نوع من الضغط على الدول العربية وخلق ظروف نفسية غير مرغوب فيها عند الحكام العرب، لدفهم بالتبرع بثروتهم النفطية إلى واشنطن لتغطيت تلك الخسائر.