الوقت- يبدو أن تاريخ جهود واشنطن في تعزيز العلاقات مع تركيا وأكراد سوريا وصلت إلى نهايتها، وعلى واشنطن في الوقت الراهن اختيار أحد الاثنين، أو على الأقل تفضيل أحدهما على الآخر إلى حد ما. وعلى الرغم من أنهما عضوان في حلف شمال الأطلسي، فإن لأمريكا وتركيا مصالح متباينة في سوريا، مع تركيز واشنطن على مواجهة تنظيم داعش وحرص أنقرة على منع أكراد سوريا من الحصول على حكم ذاتي الأمر الذي يقوّي شوكة المسلحين الأكراد على أراضيها.
ردّ حكومة ترامب على مطالب تركيا وتغيير موقف الولايات المتحدة تجاه أنقرة
في هذا السياق، تشير الأخبار الرسمية التي تم تسريبها في اليومين الماضيين بعد اجتماعات أمريكا وتركيا في واشنطن، أن حكومة دونالد ترامب تستجيب لطلبات أنقرة حول عفرين ومنبج، وإن تغيير الموقف هذا الذي لم يسبق له مثيل هو نتيجة لتزايد التوترات بين هذين الحليفين، في حين أن الاجتماعات السابقة بين وزير الخارجية ريكس تيليرسون وأيضاً وزير الدفاع ومستشار الأمن القومي الأمريكي مع كبار المسؤولين الأتراك على مدار الأسبوعين الماضيين في أنقرة وبروكسل، فشلت في تقليل حدة التوترات بين الطرفين.
دلالات تغيير أولويات واشنطن في سوريا
في هذه الظروف، التقى وفد تركي في وزارة الخارجية الأمريكية بوفد من مسؤولي الوزارة ، لكن المستوى المنخفض للوفد التركي بيّن أن هذه المحادثات لن تكون سوى تضييعاً للوقت لأن حل أزمة تركيا وأمريكا كان قد وصل إلى طريق مسدود تقريباً، ما يعني أن لا تركيا كانت مستعدة لتقديم تنازلات، ولا واشنطن مستعدة للتخلي عن الأكراد. وقد برزت وجهة النظر هذه عندما أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في اليوم الأول للاجتماع ودون أي تفاؤل، بأنها تأمل أن تثمر الاجتماعات مع الوفد التركي عن إيجاد حلول للمشكلات مع تركيا.
ولكن بعد ذلك، استجابت واشنطن لإصرار تركيا بطرد القوات الكردية من عفرين ومنبج والانسحاب إلى شرق الفرات، وهو تطور مهم في سياق العلاقات الثنائية بين الجانبين بعدما وصلت هذه العلاقات إلى مفترق طرق، كما تحكي هذه الاستجابة عن تغيير أولويات واشنطن في سوريا، في إشارة إلى إدراك أنقرة للوضع الجديد وأنها أخذت زمام المبادرة بحذر.
مواجهة تركيا أو تسوية الصراع، ماذا ستفعل واشنطن؟
وتواجه واشنطن احتمالين في هذه الظروف: إما مواجهة عضو الناتو هذا أو التوصل إلى اتفاق وحل المشكلات مع أنقرة. ومن ناحية أخرى، تدرك تركيا جيداً أن واشنطن لم تتمكن من تغيير موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وإجباره على إبداء المرونة، من خلال فرض العقوبات وممارسة الضغط على أنقرة، خاصة وأن كلا الطرفين يعرفان أن مجرى الأحداث قد تغير في سوريا. وهذا يعني أن الحرب مع تنظيم داعش قد وصلت إلى نهايتها، وأن القتال ضد التنظيم سيكون منحصراً بملاحقة عناصر التنظيم والقيام بعمليات استخباراتية وهذا لا يتطلب وجود قوات برية مثل القوات الكردية.
ما هي أولويات واشنطن في سوريا؟
في الوقت الحالي غيّرت أمريكا بوصلة أولوياتها في سوريا نحو: تنظيم داعش وموسكو وإيران. وفيما يخصّ تنظيم داعش، فإن هدف أمريكا من ذكر اسم هذا التنظيم هو تبرير استمرار وجود القوات الأمريكية في سوريا واستمرار التحالف مع أكراد سوريا، وفي الحقيقة فإن أولوية واشنطن الرئيسية والعملية تتمحور حول إيران وروسيا، إذ تحتاج هذه الأولوية إلى حل أزمة العلاقات مع تركيا لتتمكن واشنطن من الوقوف في وجههما.
ويرى الخبراء أن أنقرة تعلم أنه عندما واجهت أمريكا وضعاً مشابهاً في العراق، عمدت إلى دعم الحكومة العراقية وأعطت الضوء الأخضر لها لاستعادة كركوك وأعطت العلاقات مع حكومة حيدر العبادي الأولوية على علاقاتها القوية مع مسعود البارزاني في كردستان العراق.
مساعي واشنطن لإبعاد أنقرة عن موسكو
بعبارة أخرى، كانت الأولوية الأمريكية في ذلك الوقت هي دعم حيدر العبادي وتعزيز علاقات حكومته مع واشنطن بطريقة تقلل من نفوذ إيران في بغداد، وعلى هذا الأساس، تسعى واشنطن، إن لم نقل أنها تحاول تأزيم علاقات روسيا مع تركيا، فإنها اتبعت مبدأ تخفيض علاقات هاتين الدولتين لتنفيذ السيناريو العراقي نفسه بطريقة مختلفة، بحيث إنه مع انسحاب القوات الكردية من عفرين ومنبج ستتخلى عن هاتين المدينتين، كما تعلم واشنطن بالطبع أن الأكراد غير قادرين على قطع العلاقات معها وتدرك أنه ليس لديهم خيار آخر، كما رأينا في خيار حكومة كردستان بعد الأزمة. وعلى كل حال إذا كان من المقرر تنفيذ هذا السيناريو ، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو هل ستنتهي أزمة العلاقات بين تركيا وأمريكا.
تؤمن واشنطن تقريباً أن قضية عفرين ومنبج ليستا أكثر من مجرد جزء صغير من العلاقات العميقة التي تجمع واشنطن بأنقرة، وبشكل عام، علاقات أنقرة والغرب.