الوقت – يحاول المحور الأمريكي العبري العربي احتواء إيران وتركيا في نفس الوقت وإضعافهما، وهذه هي الاستراتيجية الكبرى التي يتم تنفيذها في المنطقة الآن، وعلى مسؤولي هذين البلدين تجاوز القضايا الجزئية ورؤية الصورة كما هي لكي يدركوا معنى ومفهوم المصير المشترك.
إن فهم هذا المخطط الكبير بشكل صحيح يساعد حكومتي البلدين على اتخاذ القرار الصائب لتنمية البلدين وحفظ الاستقرار الإقليمي وصون مصير الأمة الإسلامية وتخطي الجدال الإعلامي.
وفي هذا الوقت بالذات يجب بذل المزيد من الاهتمام بالقضايا التالية:
1. شمولية العلاقات: إن علاقات إيران وتركيا هي من العلاقات النادرة في المنطقة لأنها علاقات شاملة، وإن هذين اللاعبين المهمين في المنطقة هما متشابكان في الاقتصاد والتجارة والأمن والروابط الشعبية والسياحة والثقافة والدين والعلاقات العسكرية، كما أن إيران جسر يربط تركيا بآسيا، وتركيا جسر يربط إيران بأوروبا وإن الأمن القومي لكلا البلدين يكمّل الآخر.
2. الأضرار الماضية : لقد عمد كل من البلدين خلال السنوات الأخيرة إلى إبطال مفعول جهود البلد الآخر بدلاً من تضافر الجهود والطاقات في المعادلات الإقليمية، وإن هذه المشكلات ترافقت مع إطلاق حملة اجتماعية وإعلامية وتبني خطاب في داخل كل من البلدين ضد الآخر وهذا ما خلّف خسائر فادحة، ومن المعلوم أن مثل هذا الخطاب يشكّل سجناً وجداراً يدفع كل طرف نحو الانغلاق على الذات وعدم التفكير بما وراء الجدار، لكننا نلاحظ أن إيران وتركيا أدركتا الصورة الحقيقية للأوضاع وبذلتا خلال السنة الأخيرة جهوداً تاريخية لتحطيم هذا الجدار وكانت النتيجة انطلاق حوارات أستانة والزيارات المتبادلة بين البلدين على كل المستويات والدعم البنّاء الذي قدّمه كل بلد للآخر.
3. الإنجازات وفرص التعاون : لقد أظهرت التطورات التي جرت خلال العام الماضي أن حكومتي البلدين أدركتا أكثر من أي وقت مضى أن لهما مصيراً إقليميا وداخلياً مشتركاً وهذا الانتباه واليقظة لم يسبق له مثيل، إن طهران وأنقرة قد تعاونتا لحل قضايا كبرى مثل قضية مدينة حلب والأزمة القطرية واستفتاء إقليم كردستان العراق والتأثير على قضية فلسطين وبذلك أظهرتا قدراتهما التاريخية.
4. التطرف والسلفية كتهديد مشترك: تعتبر كل من إيران وتركيا من حاملي راية الاعتدال، اللتين تعارضان التطرف ذاتياً وهيكلياً وسياسياً وأمنياً، إن لإيران وتركيا عدواً مشتركاً (الإرهاب والسلفية) وهو ما تروّجه وتديره القوى العظمى، إن الإرهاب والسلفية يعتبران من الأدوات المؤثرة في احتواء وإضعاف كلٍّ من هذين البلدين. ويقول خبير تركي إن جذور التطرف والإرهاب في الشرق الأوسط خلال القرن الأخير تعود إلى لورنس العرب والسعوديين، وإن أفكار لورنس ومخططاته تنفذها وتصدرها الدول العربية الموجودة في الخليج الفارسي، وبعبارة أخرى إن الاستراتيجية المشتركة للمحور الصهيوأمريكي هي احتواء تركيا وإيران وإن دول الخليج الفارسي تغذي هذه الاستراتيجية. وهناك من كان يظنّ بأن ترامب سيستعين بأنقرة من أجل إضعاف طهران وتقويض الاتفاق النووي لكن الحقيقة التي ظهرت سريعاً هي أن تركيا مستهدفة بالتقسيم والإضعاف.
5. المحصلة: من الأفضل لصناع القرار في كلا البلدين أن ينظروا إلى الصورة والمشهد الكبير المرسوم أمامهم ولا يسمحوا بتسريب الخلافات إلى الصحافة والمجتمع وعليهم تجنب الخطوات التي تساعد على تحقيق تلك الصورة والمشهد الكبير، إن مفاوضات أستانة كانت خطوة لإجهاض المخطط الكبير ويجب عدم الإضرار بهذه المفاوضات، كما على صناع القرار في إيران وتركيا أن يتجنبوا الخطوات التي تؤدي إلى ظهور قضايا ومشكلات اجتماعية وقومية في الداخل والخارج تؤجج الأزمة.
يقول خبير تركي إن أحد الأخطار المشتركة التي تهدد البلدين الجارين، اذكاء نيران الاحتجاجات الاجتماعية والقومية الداخلية على يد أطراف خارجية، ويضيف هذا الخبير إن نوعية أحداث الشغب التي شهدتها إيران مؤخراً تشبه أحداث حديقة قزي في اسطنبول.إن طهران وأنقرة بحاجة إلى المزيد من الحوارات الرسمية وغير الرسمية وحوارات غرف الفكر والمعاهد، ويجب عدم السماح بأن تقوم كل من أنقرة وطهران بإهدار طاقة الطرف الآخر، كما أن جعل إيران وتركيا منشغلتين بالمشكلات، استراتيجية حذّر منها نجم الدين اربكان قبل 3 عقود، وأخيراً يجب القول إن تركيا تستطيع أن تكون بلداً يربط الوسطين السني والشيعي ويزيد من رصيده المعنوي والمادي في الشرق الأوسط ويوطد علاقاته مع إيران والعراق في هذا المسار.
الخبير في قضايا الشرق الأوسط "نعمة الله مظفربور"