الوقت-ذكرت وكالة انباء سبوتنيك ان وثائق خارجة من تصنيف الحكومة البريطانية، تشير الى ان لندن أعدّت مشروعا سريا لتدمير مصادر النفط في الشرق الاوسط باستخدام الاسلحة النووية من اجل منع استيلاء غير المؤهلين على هذه المصادر والثروات.
ووفقا للتقرير، أبلغ الرئيس الأمريكي السابق هاري ترومان، مجلس الأمن القومي "NSC" بالوثيقة رقم 2/26. ونصت الوثيقة على أنه في حال هجوم الاتحاد السوفيتي على الشرق الأوسط، سيتم تدمير المصادر والمنشآت النفطية قبل وصول الجيش الأحمر السوفيتي. وفقا لذلك، سيبدأ موظفو شركات النفط بتخريب وتدمير المنشآت الخاضعة لإشرافهم، بمجرد استلامهم الضوء الأخضر من واشنطن.
وعلى الرغم من أن وثيقة “NSC” 26/2 توضح استراتيجية الولايات المتحدة تجاه صناعة النفط والغاز في الشرق الأوسط (غرب آسيا) في أواخر 1950 وأوائل 1960، لكن وثائق وزارة الخارجية البريطانية تشير إلى أن لندن كانت على بينة من هذه الوثيقة ودعمتها بقوة.
كما اضاف البريطانيون مطلباً لهذه الوثيقة، وأكدوا أن الجيش البريطاني، بما في ذلك سلاح الجو الملكي، سيساعد موظفي شركات النفط في هذه القضية. لكن المشاريع البريطانية كانت تواجه مشكلة كبيرة. إذ أشار المسؤولون البريطانيون إلى هذه المشكلة الرئيسية في وثائقهم الداخلية. حيث كانت قوة الإمبراطورية البريطانية آخذة في الانخفاض، وبالتبع كان نفوذها في المنطقة آخذ في الانخفاض ايضا. ولم يعد لدى البريطانيين، السيطرة الاحتكارية الماضية على انتاج وتصفية النفط في دول مثل إيران والعراق.
فعلى سبيل المثال، كانت شركة النفط العراقية، التابعة لبريطانيا، تضم أكبر منشآت النفط في العراق، أي منشآت نفط كركوك، ولكن الحكومة العراقية هي التي كانت تسيطر على المصافي الرئيسية للبلاد في البصرة وبغداد.
وكانت الاوضاع في إيران اسوأ ولم يعد للإنكليز النفوذ السابق على صناعة النفط واحتياطها في البلاد. وحتى عندما أدى الانقلاب الذي قادته الولايات المتحدة وبريطانيا الى الإطاحة بحكومة محمد مصدق ومجيء الشاه الموالي للغرب الى سدة الحكم مرة أخرى، استولت بريطانيا مرة أخرى على صناعة النفط الإيرانية من خلال شركة النفط البريطانية، لكن طهران قامت باسترجاع عدد من منشآتها النفطية ومضت الى إنشاء منشآت نفط أكثر.
وأعرب المسؤولون البريطانيون عن قلقهم من ان تورط موظفي شركة النفط الايرانية والعراقية في هذا المشروع يمكن ان يزيد من خطر تسرب اخبار المشروع.
الخيار النووي
في عام 1955، تم اقتراح حل ممكن لهذه الظروف الصعبة. وفي تلك السنة، كان البريطانيون يتجهون إلى تنفيذ التجارب النووية في الصحراء الأسترالية. وقال رئيس الاركان المشتركة للجيش البريطاني في تقرير له، انه يعتقد ان استخدام هذه الاسلحة يمكن ان يكون "أفضل طريق لتدمير المنشآت النفطية" في إيران والعراق.
وأكد رئيس الأركان المشتركة للجيش البريطاني انه سيطالب الولايات المتحدة باستخدام مرافقها النووية (للتدمير) في حال هجوم الاتحاد السوفيتي على إيران.
وسافر جورج بروسينغ، وهو موظف في وكالة المخابرات المركزية (سي آي أيه)، الذي كُلف بالعمل مع الشركات النفطية في الشرق الأوسط لتنفيذ هذا المخطط، الى إيران لإجراء تحقيقات حول حقول النفط الإيرانية.
ويخلص جورج إلى أن تنفيذ خطة حرمان الاتحاد السوفيتي من النفط في الشرق الأوسط من خلال العمليات البرية وتدمير المنشآت وحقول النفط هو الخيار الأفضل ولا يتطلب استخدام الأسلحة النووية.
وفي ظروف امتناع استخدام الأسلحة النووية لتدمير هذه المنشآت النفطية، اخذت استراتيجية "الحرمان من النفط" ابعادا واسعة، حيث شملت أيضا مصفاة أمريكية في لبنان، ومصفاة نفط بريطانية في مصر، ومصفاة غير مكتملة في سوريا. وفي الواقع، كانت الولايات المتحدة مسؤولة عن المنطقة المحايدة في الكويت، وكانت بريطانيا مسؤولة عن مصفاة وأنابيب النفط في إسرائيل وتركيا.
ومع ذلك، اقترح جورج ويبر، كبير موظفي الأمن الوطني الأمريكي، في عام 1956 بوجوب التخلي عن هذه الاستراتيجية. واكد ان الاتحاد السوفيتي ليس هو التحدي الوحيد للغرب في الشرق الاوسط. وهناك تهديد آخر يهدد المصالح الغربية في الشرق الأوسط هو الحس القومي العربي، وكان هذا التهديد آخذ في الازدياد. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، جمال عبد الناصر في مصر. وذكر جورج ويبر أن إشراك موظفي شركة النفط في تدمير المنشآت النفطية يمكن أن يصاحبه مخاطر وتداعيات أمنية. وكانت هناك إمكانية لكشف هذه المخططات ونتيجة لذلك، تم وضع سياسة ومخطط جديد. وقد عرضت هذه السياسة في الوثيقة رقم 5714 “NSC”.
ووفقا للوثيقة الجديدة، لم يكن للمدنيين أي مشاركة في هذه المخططات، ولم يكن هناك تعاون مع شركات النفط في هذا الصدد. وبدلا من ذلك، يتم تفويض أي عمل ضد المنشآت والموارد النفطية الى الجيش. كما نص على أن القوات العسكرية الأمريكية لن تدخل المنطقة إلا في حالة وجود الجيش الأحمر السوفيتي أو القوات العسكرية المحلية.
وفي الوقت نفسه، اتبع كل من البريطانيين والأمريكيين بشكل فردي، سياسات إضافية لاستمرار الوصول إلى سعر النفط الرخيص في الشرق الأوسط. وركزت بريطانيا على اتخاذ تدابير وقائية لحماية موارد النفط والغاز في المنطقة الخليجية، من أجل منع سيطرة مصر بقيادة عبد الناصر على هذه الموارد والمنشآت. وركزت الولايات المتحدة أيضا على مواجهة العناصر القومية العربية في البلدان الرئيسية المنتجة للنفط.
وكان آخر مرة أشار فيه الأمريكيون إلى استراتيجية "الحرمان" هي عام 1963. في ذلك الوقت، طلب أحد موظفي مكتب الولايات المتحدة في عهد "جون كينيدي" من وزارة الخارجية ما إذا كانت وثيقة مجلس الأمن القومي 5714 تعتبر ضمن سياسة الحكومة الأمريكية.
ونتيجة لذلك، لم يتضح متى تم وضع هذه السياسة جانبا من قبل الامريكيين. بيد ان هذه ليست المرة الاولى التي يخطط فيها الغرب لمخطط "اول هجوم نووي" على الاتحاد السوفيتي. وفي عام 1945، عندما انتهت الحرب العالمية الثانية، حث رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل قادته العسكريين الكبار على إعداد خطة سرية للحرب.
وأظهرت الخطة كيفية شن حرب كاملة ضد الاتحاد السوفيتي في حين وصلت قوام القوات السوفيتية في أوروبا الى أكثر من 11 مليون شخص. ومن أجل تعويض النقص في قواتهم، كان الغربيون يستخدمون النازيين في جيوشهم لمواجهة الروس.
ولكن الحظ حالفهم في أن المُخططين الإنكليزيين توصلوا إلى استنتاج مفاده أنه سيكون من المستحيل تنفيذ مثل هذا المشروع. ومع ذلك، قدم ونستون تشرشل الخطة للرئيس هاري ترومان. ورد ترومان بأن الولايات المتحدة لن تشارك في مثل هذه العملية.
وعندما استسلمت ألمانيا في الحرب العالمية، لم يكن عدد القوات السوفياتية والأمريكية في أوروبا نفس العدد. وكان لبريطانيا والولايات المتحدة، مجتمعتين، اقل من اربعة ملايين جندي في اوروبا معظمهم امريكيون. وكان الامريكيون يعتزمون ارسال قواتهم في اوروبا الى الجبهة الشرقية في اليابان.
كما أعد البنتاغون خططا لشن حرب نووية ضد الاتحاد السوفيتي في الخمسينيات، تستهدف 1200 مدينة و1100 مطارا في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي والصين. ووفقا للخطط التي أعدها البنتاغون، كانت مدينتي موسكو ولينين غراد مستهدفات ايضا. كما كانت طائرات بي -47 الكائنة في بريطانيا والمغرب وإسبانيا، تقوم بحمل قنابل نووية لتنفيذ هذا السيناريو.
