الوقت- عملت أستراليا في العقود الأخيرة على تعزيز التنمية الصناعية والتقدم الإقتصادي على أراضيها. وقد أدت سياستها الخارجية الواقعية دورا بالغ الأهمية في هذه العملية، ويحاول جهاز السياسة الخارجية للحكومة الأسترالية الليبرالية، الذي حل محل حزب العمل في عام 1997، توسيع المفاوضات الإقتصادية المتعددة الأطراف والتي من شأنها تعزيز فوائد البلاد بشكل أكبر. وفي الوقت نفسه، كانت "لكانبرا" خطوة هامة دفعتها الى الأمام تمثّلت بتوقيع اتفاقيات التجارة الحرة مع دول أخرى كسنغافورة وتايلاندا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى إنشاء شراكة إقتصادية واسعة مع اليابان والصين. ولطالما عملت "كانبرا" على اتباع نهج واقعي جعلها تتحرك بطريقة متوازنة بين الغرب من جهة والصين من جهة أخرى. فمن ناحية التبادل الإقتصادي، لديها علاقات جيدة مع الصين، مع المحافظة على روابطها الاستراتيجية والإيديولوجية مع الغرب.
خَيارٌ صعب
إستندت سياسات واستراتيجيات أستراليا دائما الى أهمية أن تكون العلاقات الاقتصادية على مستوى عال مع الصين والإتحاد الأوروبي، أما احتياجاتها الاستراتيجية والدفاعية فتحفاظ عليها من خلال علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة. ومن المهم بالنسبة لها أن تحافظ على هذه العلاقات والتوازنات كما هي عليه، ولكن نظرا للضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة عليها اليوم، يبدو أن عام 2018 هو عام الخيار الأسترالي الصعب، فـ"كانبرا" اليوم باتت بين خيارين، الإقتصاد الصيني، أو الولايات المتحدة.
بالاضافة الى ذلك فإن التطورات العالمية والعوامل الدولية، كالأزمة الكورية مثلا، ضيّقت الخناق على أستراليا، بحيث باتت مضطرة للتخلي عن المنافع الكبيرة التي تحصّلها من الصين، فداءا لاستمرار علاقتها مع الولايات المتحدة، القائمة منذ الحرب العالمية الثانية.
وفقا للمحللين السياسيين والاقتصاديين، ستعاني أستراليا كثيرا في الصراع بين هذين القطبين، ونظرا إلى تأثير تجارتها مع الصين على تنميتها الاقتصادية، فالحد منها لأسباب سياسية، سوف يحمّل استراليا أوزار وأعباء اقتصادية ثقيلة.
بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن للولايات المتحدة أن تعوّض لاستراليا الخلل الحاصل في إقتصادها. ومن ناحية أخرى، لا ترحب الصين بانضمام أستراليا ونيوزيلندا الى التحالف الأمريكي في شرق آسيا، وبالتأكيد ستخفض علاقاتها الإقتصادية مع أستراليا إذا حدث ذلك.
أهمية استمرار العلاقة مع أمريكا
بالنظر الى التحدّيات الاستراتيجية للولايات المتحدة في شرق آسيا، وتشكيلها علاقات استراتيجية وعسكرية مع دول عديدة كاليابان وكوريا الجنوبية، وتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الهند، تعدّ أستراليا دولة هامة واستراتيجية لها في بحر الصين الجنوبي.ولذلك، فإن أستراليا هي واحدة من الأسس الأربعة للخطة الإستراتيجية والأمنية الأمريكية في هذه المنطقة، إلى جانب الهند واليابان وكوريا الجنوبية. بعبارة أخرى، لأستراليا دور أساسي في مواجهة الولايات المتحدة للنفوذ الصيني. لذلك، وعلى الرغم من رغبة بعض التيارات السياسية الداخلية في استراليا بالخروج من تحت ظل الولايات المتحدة، فإن واشنطن ليس لديها أي استعداد للتفريط بأستراليا، وذلك من أجل إقامة حزام أمني شرق آسيوي حول الصين.
لذلك، ومع نمو العلاقات الاقتصادية الاسترالية مع الصين وجهود الصين للتأثير على سياسات استراليا، تعمل الولايات المتحدة اليوم للضغط على أستراليا بغية إجبارها على اتخاذ قرار حاسم وانتخاب أحد الخيارين.
وكما أشرنا، فإن توسيع العلاقات الاقتصادية الصينية - الأسترالية قد عزز الجهود الصينية للتأثير على السياسات الداخلية والخارجية في أستراليا.
وأستراليا أيضا تحتاج إلى الولايات المتحدة، فمواجهة الإرهاب، كأزمة محتملة في أستراليا، فضلا عن المساعدات العسكرية الأمريكية لها، تحظى بأهمية بالغة لدى الداخل الأسترالي. كما يتم توفير أمن المجال الجوي عبر التواجد العسكري الأمريكي، وهو أمر مهم بالنسبة لبلدان مثل أستراليا والفلبين. مما يوفر إمكانات عسكرية كبيرة لها لمواجهة الطموحات الصينية. وبالتالي لن تفرّط استراليا بهذه المصالح العسكرية، في سبيل مصالح إقتصادية مع الصين.
"آسيان"، مكان للإختيار
ترى الولايات المتحدة في قمة "آسيان"،رابطة دول جنوب شرق آسيا التي تعقد هذا العام في مدينة سيدني، وهي منظمة اقتصادية تضم عشر دول تقع في جنوب شرق آسيا وتعتبر سابع أكبر اقتصاد في العالم، مكانا جيدا لاتخاذ استراليا قرارها.
من جهته كان "توم هانسون" قائد القوات الأمريكية في استراليا قد اعتبر في العام 2016، أن على أستراليا حسم أمرها، وتختار بين تحالف أقوى مع الولايات المتحدة أو علاقات أوثق مع الصين. ومع بداية عام 2018، زادت الضغوطات وأصبحت أستراليا أقرب بكثير من الإختيار. الجدير ذكره أن "مالكولم ترانبول" رئيس الحكومة الأسترالية السابق، كان قد اقترح في قمة "آسيان" 2016، أن تعقد القمة في العام 2018 على الأراضي الأسترالية وقال: "يمكن لقمة خاصة في أستراليا تطوير العلاقات الاقتصادية بين كانبيرا واتحاد آسيان وخلق علاقات أوثق بين الشركات والقطاع الخاص".
في المقابل، عملت الصين على مواجهة المشروع الأمريكي، مستفيدة كعادتها من قدراتها الإقتصادية، وهي تعمل على تحسين علاقتها مع أستراليا هادفة إلى ضرب الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
ويبدو أن الضغوط الأمريكية أكثر فعالية من بطاقات الإئتمان الصينية، وبالتالي سترضخ أستراليا "للإستعمار الأمريكي"، مضحيّة بمصالحها الإقتصادية على طريق تحقيق مصالح الولايات المتحدة.