الوقت- انعقد قبل ايام مؤتمر هرتسيليا السنوي الذي ينظمه معهد السياسة والاستراتيجية في الكيان الاسرائيلي، وكان أحد المواضيع التي تطرق اليها هذا المؤتمر الذي استمر ثلاثة ايام هو موضوع الاستراتيجية الاسرائيلية فيما يخص دول الجوار الاقليمي حيث يعتقد الاسرائيليون ان هذه الاستراتيجية قد تغيرت كثيرا لأن الاصطفافات في المنطقة قد تغيرت بشكل كبير بسبب تغييرات في مواقف بعض الدول العربية التي اقتربت من المواقف الاسرائيلية واعتبرت ايران عدوة لها.
وكانت الاستراتيجية الاسرائيلية فيما يخص دول الجوار الاقليمي لفلسطين المحتلة ترتكز على مشروع رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي الاسبق ديفيد بن غوريون حينما لم تكن الدول العربية المحيطة بالكيان الاسرائيلي على علاقة ودية مع هذا الكيان، وقد نص ذلك المشروع على تعزيز العلاقات مع 3 دول هي ايران وتركيا واثيوبيا وهي دول غير عربية وغير اسلامية في سياساتها في ذلك الحين وهي محيطة بالدول العربية المحيطة بالكيان الاسرائيلي لكي تقوم هذه الدول الثلاث بالضغط على الدول العربية كلما تضغط الدول العربية على الكيان الاسرائيلي.
وقد ادت تلك الاستراتيجية الاسرائيلية الى توطيد العلاقات مع هذه الدول الثلاث، ففي عهد شاه ايران المخلوع كانت هناك علاقات علنية وسرية بين تل ابيب وطهران فعندما قامت السعودية والدول العربية بوقف انتاج النفط في حرب عام 1973 وقطعوا الامدادات النفطية عن حماة الكيان الاسرائيلي قامت ايران بتأمين النفط الذي يحتاجه هذا الكيان، كما ان تركيا ايضا كانت قد اعترفت بالكيان الاسرائيلي منذ عام 1948 واقامت علاقات وطيدة مع هذا الكيان وكانت تقوم بتهديد سوريا كلما لزم الأمر، اما اثيوبيا فقد مدت جسور العلاقات الرسمية مع الكيان الاسرائيلي في عام 1957 لكي تقوم بمساعدة هذا الكيان كلما كان ذلك ضروريا.
ومنذ ذلك الحين حتى الآن قد تغيرت اوضاع المنطقة كثيرا فقد رفعت الدول التي كانت تتحدى الكيان الاسرائيلي في المنطقة راية ما يسمى بالسلام او انهت مشاريع المقاومة الصورية واقدمت على ايجاد علاقات سرية مع الكيان الاسرائيلي، ومن جهة اخرى ادى انتصار الثورة الاسلامية في ايران في عام 1979 الى تغيير المعادلات وتبديد استراتيجية بن غوريون لكن تركيا واثيوبيا بقيتا كما هما رغم حدوث بعض التغييرات الشكلية في أنقرة.
وعندما يقول رئيس القسم السياسي والأمني في وزارة امن الكيان الاسرائيلي الجنرال عاموس جلعاد "انه وبعد اضعاف العراق وسوريا بشكل كبير فإن التهديد المتبقي لاسرائيل في الجبهة الشرقية هو ايران وطموحاتها في المنطقة" فان هذا الكلام يعتبر حقيقة لايمكن كتمانها، ان ايران والجماعات الحليفة معها ومنها حزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية وبعض الجماعات الاخرى هم التهديد الجدي الوحيد الذي يقلق الكيان الاسرائيلي فلم يعد هناك وجود للاردن ومصر وقد قال جلعاد بصراحة "ان ما حدث في مصر والاطاحة بمرسي ومجيء السيسي يعتبر معجزة بالنسبة لاسرائيل".
وكانت الاردن قد اعترفت بشرعية الكيان الاسرائيلي في التسعينيات من القرن الماضي كما تشكلت السلطة الفلسطينية بعد اعتراف ياسر عرفات بهذا الكيان وان السعودية التي لم تكن من اصحاب القتال في اي يوم من الايام قد اعلنت في عام 2002 من خلال المبادرة التي اطلقها الملك فهد بانها مستعدة للاعتراف بالكيان الاسرائيلي بشرط انسحاب هذا الكيان الى حدود عام 1967، والامر المستغرب هو ان هذه المبادرة قد تم التصديق عليها من قبل الجامعة العربية.
وفي الوقت الراهن نرى بان جلّ الدول العربية ليست معادية للكيان الاسرائيلي بل على العكس من ذلك تسلك نهج معاداة ايران او في احسن الاحوال التنافس معها وان السياسة الخارجية لهذه الدول لاتعتبر الكيان الاسرائيلي العدو رقم واحد لكي يقوموا بمواجهتها بل انها تعتبر ايران القطب الذي يقف امامها ويجب تسخير كل الامكانيات لمواجهتها.
وكلما نمضي نحو الامام تظهر على السطح العلاقات السعودية الاسرائيلية اكثر من ذي قبل وتتجه بوصلة العداء نحو ايران بشكل اكبر، وفي هذه الاثناء يعتبر الكيان الاسرائيلي نفسه الجهة المنتصرة في المنطقة لكنه لايكتفي بذلك حيث تعتبر تل ابيب ان التقارب اكثر مع العرب يورد ضغطا اكبر على ايران التي تعتبر التهديد الوحيد المتبقي امامها، ولسوء الحظ تؤمن الدول العربية بهذه السياسة ايضا وهذا ما يفسر الاصطفاف الحاصل في المنطقة.