الوقت- بدأ العام الميلادي الجديد مبشرا بمجموعة متغيرات على الساحة الدولية، لتكون البداية من مكتب رئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، الذي صرح يوم الاثنين 1 يناير/ كانون الثاني، بأن بلاده أكملت قوتها النووية في 2017 وأن على الولايات المتحدة معرفة أن ذلك أصبح واقعا، ليضيف بعدها جونغ اون كلاما يحمل تهديد شديد اللهجة للولايات المتحدة، قائلاً: أن زر إطلاق السلاح النووي الكوري الشمالي أصبح جاهزا على مكتبه، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنه لن يقرر استخدام السلاح النووي إلا إذا تم تهديد الأمن القومي لبلاده.
قابل هذا الخطاب التهديدي، كلام آخر لزعيم كوريا الشمالية يحمل في طياته بشائر السلام مع جارته كوريا الجنوبية، فاتحا الباب أمام بدء الحوار معها، قائلا: "إنه ينبغي تحسين العلاقات الثنائية فيما بين الكوريتين، وأن طريق الحوار مفتوح الآن"، ولكي يثبت جديته في هذا الملف أوضح كيم أنه سيبحث إرسال وفد لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بيونجتشانج بكوريا الجنوبية في شباط/ فبراير المقبل، لكسر الجليد في طبيعة العلاقات بين الجارتين وبدء حوار حقيقي لتحسين العلاقات، ولكن لا نعلم إن كانت أمريكا ستعكر صفوها كعادتها عندما تشعر بأنها أصبحت خارج اللعبة، بكل الأحوال هذا الأمر يحدده كلا الكوريتين في الأشهر القليلة المقبلة.
زر السلاح النووي
عندما أطلق زعيم كوريا الشمالية تصريحاته النارية يوم امس تجاه الولايات المتحدة الامريكية كانت الأعين تتجه نحو تعليق الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب الذي عودنا على إطلاق تصريحات حادة ونارية عندما يتعلق الامر بكوريا الشمالية وأسلحتها النووية، ولكن على غير العادة جاء تعليقه أكثر حذر هذه المرة ويحمل نوعا من التريث، قائلا للصحفيين في فلوريدا، على هامش الاحتفالات بأعياد الميلاد، بعد تصريحات كيم جونغ أون، : "سوف نرى، سوف نرى".
الظاهر في الأمر أن زر كيم أقلق ترامب وأنهى جعجعته المعتادة ليقول :" سوف نرى" ولكن لانعلم ماذا سيرى، فالرجل قال أن برنامجه النووي اكتمل. الشيء الوحيد الذي يمكن من خلاله أن يرى ترامب هو الحوار والجلوس لحل الأزمة الكورية وفي حال اصراره على التهديد وكيل الوعيد لكوريا الشمالية لا نعتقد بأنه سيبقى له وقت لكي يرى.
بات من الواضح أن أمريكا عاجزة عن القيام بأي شيء حيال البرنامج النووي لكوريا الشمالية وتطوره، وذلك لعدة أسباب أهمها:
1- عدم جدوى الخيارات الامريكية القائمة على فرض العقوبات والحظر الاقتصادي، لأن كوريا الشمالية استطاعت عبر إدارتها الصحيحة لهذا الحظر بأن تنعش اقتصادها من خلال اتخاذ مجموعة اجراءات أهمها إيجاد طرق لتصدير منتجاتها وحيل قانونية لايصال هذه المنتوجات إلى الوجهة التي تريدها، ولا أحد يستطيع أن ينكر بان الصناعة الكورية استطاعت أن تنقذ بيونغ يانغ من العقوبات والحظر الاقتصادي، فهي تشكل ما يقرب من نصف الناتج المحلي الإجمالي في كوريا الشمالية، وبحسب تقرير لوكالة الاستخبارات الأمريكية صدر عام 2011 فإن اقتصاد كوريا الشمالية يعتمد على كلٍّ من الصناعات العسكرية والآلات والكيماويات والمعادن، فيما يوزع النصف الآخر من الناتج المحلي على قطاعات الخدمات والزراعة والسياحة، وعلى عكس ما يشاع، فإن كوريا الشمالية لديها العديد من الصادرات، والتي تعد مصدر دخل أساسي للبلاد.
ولكن في الوقت نفسه لا أحد ينكر التأثير السلبي للعقوبات الاقتصادية الامريكية على كوريا الشمالية لكنها لم تستطع هذه العقوبات أن تشل النظام في كوريا الشمالية بل على العكس دفعته للمضي في تحقيق مشروعه النووي الذي يراه الطريق الوحيد للاستقلال والعدالة.
2- الخيار العسكري أصبح مستبعدا على الرغم من كل التهويل الذي يملئ الصفحات الأولى للصحف العالمية بأن الحرب أصبحت على الأبواب، الواضح أن كوريا الشمالية شكلت قوة ردع كبيرة جدا من الصعب اختراقها من قبل الأمريكان.
وللتذكير ولمن لا يعرف فإن الولايات المتحدة الأمريكية خسرت حربا مع كوريا الشمالية في عام 1950، وفي حال قررت أمريكا بدء الحرب مع كوريا الشمالية وهذا أمر مستبعد، لا نستغرب أن تعادة الكرة مرة أخرى وحينها لن يرحم أحد واشنطن وستنكسر هيبتها إلى أبد الأبدين وربما هذا ما يجعل الولايات المتحدة تحسب ألف حساب قبل بدء هذه الحرب الغير معلومة النتائج والتي لن تكن بردا وسلاما على مدن أمريكا التي تقول كوريا الشمالية أنها تحت مرمى صواريخها.
فشل الخيار العسكري تكلمت عنه صحيفة "واشنطن بوست" يوم أمس، ناقلة عن داريل كيمبل المدير التنفيذي لرابطة مراقبة الأسلحة أن تصريحات "كيم" حول القدرة النووية لبلاده، تؤكد أنه لا يوجد حلا عسكريا قابل للتنفيذ لنزع الأسلحة النووية في كوريا الشمالية وأن العقوبات وحدها لن تقنع بيونج يانج بوقف بناء مشروعها النووي.
من هنا نستنتج بأن الحل الوحيد لنهاية هذا الصراع وهذا التراشق الكلامي بين واشنطن وبيونغ يانغ هو العودة إلى طاولة الحوار، والتي فتح لها كيم باباً عن طريق كوريا الجنوبية، داعيا إلى ضرورة تخفيف التوتر في شبه الجزيرة الكورية، واليوم أصبح بإمكان واشنطن أن تستغل هذا الباب في حال كانت جادة في إيجاد الاستقرار هناك.