الوقت- ذكرت وكالة بلومبيرغ الأمريكية في تقرير لها إن الزوبعة السياسية الذي ضربت السعودية مؤخراً أدت إلى كثير من التكهنات حول مستقبل المملكة ودول الخليجیة، لكن كثيراً من المحللين تجاهلوا قضية أكبر بكثير تلوح في أفق اضطرابات الشرق الأوسط، وهي تسارع إمكانية اشتعال فتيل المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران وخاصة بعد اكتساب ايران قوة اقليمية كبرى في الشرق الاوسط.
وأشارت الوكالة في تقريرها الى التوترات الاخيرة بين ايران والسعودية وموقف الحكومة الامريكية قائلة: "أنه في حال أجبرت السعودية إيران على مواجهة عسكرية، فإن أمريكا ستجد نفسها وسط تلك الحرب ". خاصة في ظل تصريحات الرئيس الامريكي ترامب التي تظهر نهجا عدائيا واضحا تجاه الإيرانيين حيث ينادي هذا النهج بإلغاء اتفاق إيران النووي رغم التزام إيران الكامل لبنوده، كما يشمل أيضاً فرض عقوبات على الحرس الثوري وحزب الله وبرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.
وأضافت الوكالة قائلة: "إعلان السعودية بتحميل طهران مسؤولية شن هجوم صاروخي باليستي من أراضي الیمنیة، يأتي في وقت يتزامن مع تعزيز ولي العهد السعودي بن سلمان سلطته عن طريق سياسة القمع التي اتبعها ضد أقاربه والمستثمرين ذوي الثروة الكبرى والأمراء وناشطي حقوق الإنسان الذين شكلوا تهديدا له في معركة السلطة". فما الذي تخفيه الايام القادمة؟
وأضاف التقرير أن رغبة إدارة ترامب في عزل إيران والضغط عليها يعكس نوعاً من التفكير الذي مضى عليه الزمن والذي لا يأخذ في اعتباره تغير الواقع في الشرق الأوسط اليوم، ومتوقعاً أن يؤدي النهج السعودي-الأمريكي في نهاية المطاف إلى تعزيز قبضة إيران على المنطقة نظرا للقراءات الاستراتيجية التي عززت دور ايران ومكنتها من فرض قوتها اقليميا.
وفي ذات السياق يشير التقرير إن إيران اليوم هي أقوى قوة إقليمية في الشرق الأوسط، ولها نفوذ في سوريا ولبنان والعراق حيث امتد نفوذها إلى اليمن وأفغانستان؛ مضيفاً أن التصدي لهذا النفوذ معناه مواجهة الجيوش الإيرانية في الدول التي دعتها إلى أراضيها مثل العراق وسوريا، أو بمشاركتها ضمن قوات الدول الأخرى.
وأضاف التقرير:"أن إيران لم تعد دولة منبوذة عالمياً،لا بل على العكس تماما فقد باتت تتمتع بعلاقات قوية مع روسيا في سوريا، ولها مصالح مشتركة متزايدة مع تركيا حول قضايا تخص الأكراد وحكومة بغداد".
كذلك أن إيران وتركيا تدعمان قطر في ظل صراعها مع السعودية والإمارات، وهو النزاع الذي أتاح الفرصة لإيران لإبراز نفسها باعتبارها قوة فرض استقرار في الشرق الأوسط.
اضافة الى أنه مع انقسام العالم العربي ودول مجلس التعاون الخليجي، فإن محاولات واشنطن لعزل إيران تتعارض مع مساعي الصين وأوروبا وروسيا لإقناع إيران بلعب دور بنّاء في الإقليم مما يتناسب معها كدولة اقليمية لها وزنها الفعال في المنطقة.
وبحسب بلومبيرغ فان محاولات الولايات المتحدة المتكررة لإضعاف اتفاق إيران النووي ونقضه باءت بالفشل خاصة بعدما اتجهت القوى العالمية الكبرى الى الوقوف بجانب طهران واحترام اتفاقها النووي، خاصة الدول الأوروبية التي اعتبرت طهران شريكاً ملتزماً ببنود الاتفاق، على عكس مواقف الإدارة الأمريكية المغايرة والمتقلبة.
كما لفت التقرير إلى أن إيران تحولت مؤخراً إلى آسيا باعتبارها مصدراً للتجارة وجذب الأموال؛ إذ تنظر بكين إلى إيران بصفتها مكوناً رئيسياً في مشروعها الاقتصادي المسمى "طريق الحرير الجديد" الساعي لربط بكين بمناطق الشرق الأوسط وأوروبا، كما أن اليابان والهند وكوريا الجنوبية يعتبران طهران سوقاً غير مستغلة جيداً تستحق المخاطر قصيرة الأمد مقابل تحصيل عائدات اقتصادية في المستقبل؛ إذ تنظر كل هذه الأطراف لضخ استثمارات هائلة في الاقتصاد الإيراني.
واستبعدت بلومبيرغ أن تتسبب العقوبات الأمريكية ضد طهران بوقف نفوذها في الشرق الأوسط، كما ذكرت وسائل الاعلام الامريكية ان العقوبات الامريكية من غير المحتمل ان تخفف من تأثير ايران فى الشرق الاوسط قائلة: "من غير المحتمل ان تقوض العقوبات الامريكية ضد ايران نفوذها فى الشرق الاوسط. لأن الحكومة السورية تعتمد اعتمادا كبيرا على ايران، وان الحكومة العراقية تعتبرها شريكا في مواجهة الارهاب ويمكن القول هنا أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران ستتسبب في إبطاء نمو الاقتصاد الإيراني، ولكن تلك العقوبات لن تستطع منع إيران من ممارسة نفوذها في المنطقة، وهذا ما رأيناه بعد مرور أربعين عاما على فرض تلك العقوبات.
وخلاصة يشير التقريرالى إن واشنطن وطهران بحاجة إلى التفاهم لتجنيب المنطقة مزيداً من الإشعال، وهذا يتطلب ابتعاد الرئيس الامريكي ترامب عن نسج خطط لإلغاء الاتفاق النووي.