الوقت- التغييرات التي تعصف بمملكة النفط السعودية ليست رؤىً أو قضايا فساد أو اصلاحات أو تجديد أو تطوير، بل ألخطر ليس فقط على المملكة، وإنما تأثيراتها ستطال المنطقة برمتها، ويمكن أن تكون الدولة السعودية (الرابعة) والتي يبدو بأن أقبية المخابرات الغربية عموما، والأمريكية خصوصا، هي من يحرك المياه الراكدة في بلد عمره تجاوز 85 عاما على التأسيس الذي جاء بتعاون بين بريطانيا والأسرة الحاكمة على السياسات العامة وهي معادلة الحكم مقابل النفط، وتعزز هذا الدور لتصبح المعادلة بعد الحرب العالمية الثانية هي الحكم مقابل النفط والدعم الأمريكي مقابل حماية أمن (اسرائيل) مقابل ضرب أي مشروع عربي اسلامي يهدد مصالح الغرب من خلال القمة التاريخية بين روزفلت المنتصر في الحرب العالمية الثانية والملك السعودي عبد العزيز. حيث وضعت استراتيجية مرحلية، خاصة بعد أن أصبحت المملكة من أكثر الدول المصدرة للنفط ولأهمية النفط كمحرك لعجلة الإنتاج العالمي خاصة للغرب الذي يتنافس بشركاته المتعددة الجنسيات وخاصة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.
ويبدو بأن خطر الإرهاب وتحدياته على مستوى العالم، والذي فشل في إحداث التغييرات خاصة وفق المفهوم الإسرائيلي الأمريكي والذي يدرك خطورة فشل التنظيمات الإرهابية والمعارضات بكل تسمياتها في تحقيق الأهداف المخطط لها مسبقا كان لابد من الانتقال إلى مكمن الخطر الأقوى ماليا وحتى أيديولوجيا من خلال تبني العقيدة الوهابية والتي مولت كل التنظيمات تحت عناوين باتت معروفة، ونتيجة الفشل في الخطة (أ) يتم الانتقال إلى الخطة (ب) وهكذا وهي إشعال المنطقة برمتها وهي اشعال نقطة توتر في مخازن النفط الخليجية من حرب اليمن إلى حرب الأخوة الأعداء قطر والدول المحاصرة إلى دخول البيت العائلات الحاكمة والبدء بالسعودية وثم تتهاوى بقية الأنظمة الخليجية لإجبار عائلاتها على إقامة علاقات وطيدة من فوق الطاولة مع الكيان الاسرائيلي. والبدء باتفاقية جديدة ومعادلات جديدة بعد أن شعر الأمريكان بأن هامش الحرية لتلك الدول الخليجية تخطى الاتفاقيات المبرمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى العقدين الأول من القرن الواحد والعشرين. وتطبيق ما تم الاتفاق عليه مع إدارة ترامب في مكافحة الإرهاب والذي يتخطى داعش ليشمل كامل محور المقاومة واحتواء العراق، وعدم إعطاء دور أكبر لروسيا ودول بريكس وأي منافس آخر يتناقض مع المصالح الأمريكية وضمنا اسرائيل.
لذلك ما يجري في السعودية هو أكبر وأخطر مما قيل عن حرب ضد الفساد أو محاولة انقلابية أو رؤيا اصلاح لنظام هو بحد ذاته يحتاج لإعادة تجديد ولا يمكن لشخص ثمن زورقه 500 مليون دولار أن يدعي محاربة الفساد، ولا من قدّم 450 مليار دولار للسكوت عنه أمريكيا أن يوهم الآخرين بأنه يريد محاربة الفساد، ومن قدّم مئات المليارات لدعم كل المجاميع المسلحة من افغانستان للباكستان مرورا بالعراق وسوريا، لا يمكن أن يقنع الآخرين بأنه يريد مكافحة الفساد الذي ينخر المجتمع السعودي في ظل نسب عالية من البطالة والفقر في أغنى بلد نفطي في العالم.
نعتقد أخيرا بأن خريفا ساخنا قد يُعيد رسم خرائط جديدة، وقد يجد مخارجا مخططا لها في المنطقة ستحمل كوارث أكثر بكثير مما يتوقعه مخططو هذه الحروب العبثية خدمة لمصالح لا تصب في خدمة المنطقة، وخاصة في دول لديها كم هائل من المال والغباء السياسي وسيندمون حيث لا يفيدهم الندم.
بقلم الباحث في الشؤون الإقليمة طالب زيفا