الوقت - بعد إعلان رئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري" استقالته من منصبه خلال تواجده في العاصمة السعودية "الرياض" أثيرت العديد من التساؤلات والتكهنات بشأن خلفيات ودوافع هذه الاستقالة، ولماذا جاءت في هذا الوقت بالذات؟!.
يعتقد معظم المراقبين بأن استقالة الحريري جاءت بضغط من أمريكا والسعودية، لإثارة الفوضى والفتنة في لبنان من جهة، وتأليب الرأي العام ضد إيران ومحور المقاومة من جهة أخرى، خصوصاً وأن الحريري كان قد اتهم إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، كما اتهم حزب الله بتهديد أمن لبنان والمنطقة.
وهذا يعني أن السعودية ومن ورائها أمريكا أرادا من وراء إرغام الحريري على الاستقالة زيادة الضغط على إيران وحزب الله اللذان تمكنا من تحقيق انتصارات مهمة واستراتيجية على الجماعات الإرهابية المدعومة من الرياض وعواصم إقليمية أخرى لاسيّما في سوريا والعراق.
وهناك اعتقاد آخر يؤكد بأن اعلان استقالة الحريري "من الرياض" استهدفت تحقيق أمر آخر، هو حرف الرأي العام لغرض التغطية على التصفيات السياسية التي شهدتها السعودية مؤخراً والتي طالت الكثير من الشخصيات المهمة في المملكة بينهم أمراء ووزراء ومسؤولين سابقين بذريعة مكافحة الفساد. وتوزعت هذه التصفيات بين العزل عن المنصب والاعتقال والمنع من السفر ومصادرة الأموال وإجراءات عقابية أخرى.
ومن المعلوم أن هذه التصفيات حصلت بأمر من ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" في إطار مساعيه الرامية لتعزيز سطوته وتقوية نفوذه في جميع مفاصل المملكة تمهيداً لتسلم مقاليد السلطة بعد والده "الملك سلمان بن عبد العزيز " الكبير السنّ والذي يعاني من المرض.
ويصف المراقبون ما يحدث في السعودية من تغييرات متسارعة على مستوى الأسرة الحاكمة والشخصيات المقربة منها بأنه محاولة انقلابية تهدف للإطاحة بالرموز المخضرمة كي يخلو الجو لمحمد بن سلمان لاسيّما وأنه يشرف على ملفات مهمة داخلية وخارجية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
من هنا يمكن القول بأن سعد الحريري كان بمثابة كبش فداء، حيث وفّرت استقالته غطاءً لمحمد بن سلمان لتمرير التصفيات السياسية داخل السعودية، ما يعني أن الجناح الحاكم في المملكة لا تهمه مصالح وأمن واستقرار لبنان والمنطقة بشكل عام، بل المهم عنده هو كيفية التخلص من منافسيه وتسيير شؤون المملكة التي باتت تعاني من أزمات داخلية وخارجية كثيرة، في مقدمتها الخسائر الكبيرة التي تمنى بها على يد القوات اليمنية التي تتصدى للعدوان السعودي المتواصل منذ أكثر من عامين ونصف العام، بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية الهائلة التي نجمت عن هذا العدوان والتي تزامنت مع تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، ما أدى إلى تراجع الميزانية السعودية إلى حد كبير والذي انعكس بدوره على المستوى المعيشي والخدمي للمواطنين. ومن المعروف أن المملكة تعتمد بشكل أساسي على تصدير النفط لتأمين ما تحتاجه من إمكانات ماديّة لإدارة شؤونها.
وتجدر الإشارة إلى أن السعودية دأبت على التنسيق مع أمريكا والكيان الصهيوني وحلفائهم الغربيين والإقليميين من أجل الضغط على الجمهورية الإسلامية في إيران ومحور المقاومة الذي تدعمه طهران بقوة والذي يتصدى للمشروع الصهيوأمريكي الرامي إلى تمزيق المنطقة والعبث بمقدراتها ومصيرها. وبين الحين والآخر يكرر التحالف "الأمريكي السعودي الإسرائيلي" معزوفة "إيران فوبيا" لتحقيق أهداف سياسية وإعلامية، لكن هذه النغمة لم تعد تطرب أحداً بعد إن انكشف زيف المزاعم التي يطرحها هذا التحالف ضد إيران، ولهذا قررت السعودية اعتماد أسلوب آخر لتمرير مشرعها الرامي إلى تصفية التيار المعارض داخل الأسرة الحاكمة وذلك من خلال إثارة قضايا تبدو خارجية في الوهلة الاولى لكنها ترتبط أيضاً بالأزمة الداخلية في المملكة، واستقالة الحريري من منصبه خلال تواجده في الرياض قد عززت الاعتقاد بصحة هذا الرأي، لاسيّما في ظل الاعتقاد السائد بأن ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" الذي يسعى منذ مدة للسيطرة على مقدرات المملكة هو الذي يقف وراء هذا المخطط لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية؛ الأول: إكمال مشروعه لتصفية خصومه السياسيين في الداخل، والثاني: تأليب الرأي العام ضد إيران وحزب الله، والثالث: إثارة الفتنة الداخلية في لبنان باعتبار أن استقالة الحريري ستؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي في هذا البلد الذي يحظى باهتمام إقليمي ودولي لما له من موقع جغرافي وسياسي متميز بين دول المنطقة.
أخيراً لابدّ من القول بأن محاولات السعودية لتوريط المنطقة بالمزيد من الأزمات لن يكتب لها النجاح، بعد الهزائم المرة التي تلقتها على يد محور المقاومة في العديد من الدول لاسيّما اليمن وسوريا والعراق.