الوقت - قال وزير الخارجية الأمريكي "ريكس تيلرسون" في كلمة أمام مجلس الشيوخ الأمريكي قبل يومين "أن القوات الأمريكية لن تنسحب من العراق، إلّا بعد دحر تنظيم "داعش" الإرهابي منه"، ودعا في الوقت نفسه القوات التي حاربت "داعش" والتي تدعمها إيران إلى الخروج من العراق.
هذه التصريحات تعكس بشكل جلي أن واشنطن قد أعدت خطة لمواصلة التدخل في شؤون العراق والمنطقة بشكل عام بعد الانتهاء من صفحة "داعش".
فأمريكا تسعى إلى إبقاء قواتها في العراق بحجة دعم الحكومة العراقية والسعي للقضاء التام على "داعش" في حين يعتقد المراقبون بأن هذه المزاعم ليست سوى خديعة لمواصلة التدخل في شؤون العراق والشرق الأوسط برمته.
والسؤال المطروح: هل تتمكن واشنطن من تنفيذ هذه الخطة أم أن هناك عوامل ستحول دون تحقيقها على أرض الواقع؟
الإجابة عن هذا التساؤل تتطلب التذكير بما يلي:
الاتفاقية الأمنية بين العراق وأمريكا
بعد خروج القوات الأمريكية من العراق في عام 2011 إثر إبرام الاتفاقية الأمنية بين البلدين سعت واشنطن فيما بعد إلى العودة مجدداً إلى العراق من خلال الزعم بأنها تريد مساعدته في مواجهة تنظيم "داعش" الذي احتل مناطق واسعة من محافظات الموصل وصلاح الدين والأنبار وديالى وكركوك في منتصف عام 2014.
وفي هذا الأمر تناقض واضح بين ضرورة تمسك واشنطن بالاتفاقية الأمنية مع بغداد، ومحاولتها لتوظيف قضية "داعش" لإعادة قواتها إلى العراق من جديد.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن العديد من المسؤولين الأمريكيين ومن بينهم وزيرة الخارجية السابقة "هيلاري كلينتون" كانوا قد اعترفوا بأن واشنطن هي التي أوجدت "داعش" لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
عدم المشاركة الجدية في مواجهة "داعش"
يعلم الجميع بأن أمريكا رفضت في بداية الأمر مساعدة العراق في مواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي بحجج وذرائع واهية، في حين سارعت إيران لدعم الشعب العراقي بكافة أنواع الدعم للتخلص من هذا الخطر وقد نجحت في ذلك.
وقد أثبتت تجارب السنين الثلاث الماضية أن أمريكا لم تكن صادقة ولا جادّة أبداً في مزاعمها بتشكيل ما يسمى "التحالف الدولي" لمواجهة "داعش". ليس هذا فحسب؛ بل هناك وثائق وأدلة كثيرة تثبت قيام القوات الأمريكية بمساعدة "داعش" لمواجهة القوات العراقية التي تمكنت فيما بعد من دحر هذا التنظيم الإرهابي وتحرير المدن والمناطق المحتلة من قبله، وقد ساهم في تحقيق هذا الانجاز الكبير الحشد الشعبي الذي استجاب لفتوى المرجعية الدينية بضرورة التصدي لهذا التنظيم.
من خلال هذه الحقائق يمكن الجزم بأن الشعب العراقي وقواه الدينية والوطنية ترفض بشدة عودة القوات الأمريكية بعد أن أيقنت أن واشنطن تسعى لتنفيذ أجندة خاصة لتحقيق مصالحها على حساب الدم العراقي ووحدة وأمن واستقرار البلد.
ورقة إقليم كردستان العراق
سعت أمريكا للظهور إعلامياً بأنها ليست مع "استفتاء الانفصال" الذي جرى مؤخراً في إقليم كردستان العراق والذي فشل نتيجة رفض الحكومة العراقية والمحيط الإقليمي والدولي، إلّا أن الحقائق أثبتت أن واشنطن كانت تعمل في الخفاء لإنجاح الاستفتاء كمقدمة لتقسيم العراق. وما يؤيد ذلك هو وقوف السفير الأمريكي الأسبق في العراق "زلماي خليل زاد" إلى جانب "مسعود بارزاني" الذي تنحى أخيراً عن رئاسة إقليم كردستان، والذي كان متحمساً جداً لفصل الإقليم عن العراق.
وكانت هناك شخصيات أمريكية أخرى بارزة قد ساعدت بارزاني لتحقيق حلمه الفاشل في فصل إقليم كردستان عن العراق، من بينها "بول مانفورت" مدير الحملة الانتخابية السابق للرئيس الأمريكي الحالي "دونالد ترامب".
هذا التناقض في المواقف الأمريكية إزاء "استفتاء الانفصال" في إقليم كردستان يكشف بوضوح أن واشنطن لاتريد حقّاً الحفاظ على وحدة العراق، وتسعى في الوقت ذاته إلى ضمان بقاء قواتها في هذا البلد من خلال التظاهر برفض الاستفتاء.
أمريكا والحشد الشعبي في العراق
بعد تمكن الحشد الشعبي في العراق من الاضطلاع بدور كبير في تحرير البلد من تنظيم "داعش" الإرهابي سعت واشنطن لإبعاده عن الساحة من خلال الزعم بأنه يتبع إلى إيران، في وقت تؤكد فيه الحكومة العراقية بأن الحشد هو قوة عراقية، وما قدمته إيران من دعم لهذه القوة تم بموافقة الجانب العراقي، الأمر الذي يفضح مزاعم أمريكا ويكشف نواياها الحقيقية التي ترمي لتجريد العراق من قوته الشعبية ليخلو لها الجو لمواصلة التدخل في شؤون هذا البلد.
أخيراً تنبغي الإشارة إلى أن الكثير من المسؤولين الأمريكيين ومن بينهم الرئيس السابق "باراك أوباما" كانوا قد زعموا بأن إخراج "داعش" من العراق سيستغرق 20 - 30 عاماً، في حين كشفت الوقائع بأن القوات العراقية قد تمكنت من دحر هذه التنظيم الإرهابي بوقت قياسي، ما يعني أن واشنطن كانت تبيّت خطة للحفاظ على "داعش" كذريعة لإبقاء قواتها في العراق، الأمر الذي فشلت في تحقيقه، ولهذا عادت للتوسل بذرائع أخرى للوصول إلى مآربها ومن بينها الادعاء بأن الحشد الشعبي تابع لإيران ولابد من مواجهته، بالإضافة إلى مزاعمها بأن بقائها في العراق هو من أجل مساعدته للقضاء نهائياً على "داعش" في وقت ثبت للجميع زيف هذه المزاعم كما أوضحنا قبل قليل.