الوقت- لا يزال الغموض يلفّ مصير مدينة الرقّة السوريّة. فبعد معاناة سكّان المدينة من مطرقة التهجير الأوّل التي استخدمها تنظيم داعش الإرهابي إلى جانب القتل، باتوا يواجهون اليوم سندان التهجير الثاني الذي تقوده قوّات سوريا الديموقراطيّة المدعومة أمريكياً، لينطبق عليهم المثل القائم "بين المطرقة والسندان".
فقد كشفت دراسة صادرة عن مركز "فيريل" الألمانيّ للدراسات أن كل من السعودية والإمارات وألمانيا تدخل سوريا وبدعم أمريكي حيث تتلطّى هذه الدول تحت ذريعة المساعدات الإنسانيّة وإعادة الإعمار لتمرير مشاريعها الجديدة تجاه سوريا.
المشاريع الجديدة يمثّل الأكراد أدوتها التنفيذية حيث "يبدو الانفصاليون الأكراد في سوريّة أشدّ غباءً وأكثر طمعًا من جماعة البرزاني، فهم يُعادون الجيش السوريّ والروسيّ والتركيّ بشكلٍ علنيٍّ، ويمتثلون لأوامر واشنطن دون تفكير"، وفق الدراسة الألمانيّة.
يتقاطع كلام المركز الألماني حول الأكراد والذي تحدّث أيضاً عن احتماليّة اشتعال جبهة الجولان المحتل وجنوب لبنان في كل لحظة، يتقاطع، بشكل أو بآخر مع ما صدر عن مركز أبحاث بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية" التابع لجامعة "بارإيلان"، الذي قال "إن تل أبيب مطالبة بالمبادرة لتدشين تحالف وشراكة مع أكراد سوريا على غرار أكراد البرزاني في العراق".
كل الطرق تؤدي إلى مشروع جديد تُحضّره أمريكا، والدول الآنفة الذكر تجاه سوريا، وهذا ما ظهر في الدراسة التي أكّدت أنّ أمريكا والناتو والدول الخليجية لم يتنازلوا عن مخططاتهِم في سوريّة، بل قاموا بتعديلها وفق المستجدات.
لا ينكرنّ أحد المشروع الأمريكي الذي وقع الاكراد فريسته في الشمال السوري، إلا أنّ حلم الانفصال دفع بالأكراد للسير خطوت إضافّية عدّة إلى الأمام من قبيل عملية التكريد القائمة للمؤسسات الحكومية في الجزيرة السورية، ناهيك عن سلب المنازل والأراضي من سكانها الأصليين، أوْ منع عودتهم كما في الرقة وقرى الحسكة وشمال ريف دير الزور، الأمر الذي يؤسس لحرب عرقيّة في تلك المنطقة سيكون الأكراد أبرز الخاسرين فيها.
أطماع الأكراد الذين "يريدون الرقة ودير الزور والحسكة بما فيها من ثروات فوق وتحت الأرض"، حسب ما ورد مركز فيريل، قد ترسم لهم مصيراً مشابها للبرزاني الذي خسر كركوك ومناطق عدّة بعد أن استغلّ وجود داعش للسيطرة عليها، خسرها بعد عملية الاستفتاء التي كانت خاسرة سياسياً واقتصاديّاً للبرزاني قبل أي طرف آخر.
ورغم أنّ الأكراد يحتمون اليوم بالقواعد الأمريكية، وربّما تصبح إحداها قنصلية، وإلى جانبها قنصلية ألمانيّة وسعوديّة وإمارتية، كما هو مخطّط، إلا أن الواقع مختلف تماماً حيث تسير الأمور نحو الصدام الذي يعدّ مسألة وقت لا أكثر في حال استمرّ الأكراد في سياستهم الحاليّة والتي لا نتوقّع أن يتراجعوا عنها بسهولة سواءً بسبب ادائهم دور حصان الطروادة للمشروع الأمريكي من ناحية، أو بسبب أطماعهم الانفصاليّة من ناحيّة أخرى.
الأمور تسير في الشمال السوري نحو التصعيد الهادئ، في مشهد قد يذكرنا بما حصل في العراق، أي أن القوات العراقيّة كانت مجبرة للتوجّه نحو مناطق سيطرة قوات البيشمركة والعمال الكردستاني بالتزامن مع مواجهة داعش، وهذا الأمر قد يتكرّر في سوريا خاصّة أن بعض تصرفّات قسد ستعطي الذريعة الكاملة للجيش السوري لمواجهتها. تجزم الدراسة الألمانيّة أنّ قسد هي داعش بعد استبدال ألوان راية الإرهاب!
وأما الدور الذي ستلعبه دول كالسعوديّة والإمارات وألمانيا فهو مختلف في الشكل، متشابه في المضمون حيث ستتماشى مشاريع هذه الدول مع المشروع الامريكي الذي يريد استخدام ورقة الأكراد للالتفاف على الفشل الذي حصل في سوريا والعراق على حدّ سواء. السعودية ستلعب دوراً بارزاً في شراء الولاء العربي لعدم دخول القبائل العربية في مواجهة مباشرة مع الأكراد، وهذا الأمر أحد أهم أسباب زيارة وزير الدولة السعودي "ثامر السبهان" إلى مدينة الرقّة ولقائه بالأكراد وبعض العرب هناك. يوضح مركز "فيريل" الذي التقى بأحد السوريين الذين قاتلوا مع قسد، وسأله عن السبب، فقال حرفيًا: يدفعون لي راتبًا يكفيني، فلماذا لا أقاتل معهم؟). أي ان الولاء هناك اقتصادي، ستعمد السعوديّة على تعزيزه، فضلاً عن محاولتها اضفاء الطابع العربي على هؤلاء خشية ظهورهم كخونة ومرتزقة يبيعون أرضهم وأهلهم مقابل المال. أي أن الرياض ستسعى لرفع الدعم المادي بغية الحصول على ولاء العشائر في الرقةّ، وتوحيد بندقيات عربيّة مع قسد.
لا تسير الأمور بشكل صحيح، بل تتّجه نحو الصدام خاصّة أن الخارجيّة السورية قال اليوم الأحد أن مدينة الرقة السورية لا تزال مدينة محتلة ولا يمكن أن تتحرر إلا عن طريق الجيش السوري، فهل سيتراجع الأكراد؟ هل ستلجأ أمريكا إلى خطّة ثالثة كون الورقة السوريّة هي الأقوى اليوم أم انّها ستسلّم بفشل مشروعها؟