الوقت - "إن التواصل بين السعودية و"إسرائيل"، هو تواصل علمي وفكري وإنساني، وليس تواصلاً سياسياً"، هكذا افتتح الجنرال السعودي ومدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية، أنور عشقي، حديثه مع قناة "روسيا"، طبعا هذه التصريحات لم تفاجئ أحداً لا في الشرق ولا في الغرب، فالتناغم السعودي – الاسرائيلي ليس بالجديد على أحد ومغازلة الاسرائيلي والذهاب إلى أحضانه تظهر أن العلاقات السعودية- الاسرائيلية تشهد مرحلة ذهبية تكاد أن تكون "شهر عسل".
بالعودة إلى الجملة الثانية في كلام السيد عشقي يستوقفنا ما يلي: أن التواصل مع "اسرائيل" هو تواصل "علمي وفكري وإنساني"، من ناحية التواصل العلمي لا نعلم مدى مصداقية هذا الكلام، أما ناحية التواصل الفكري فهذا الكلام دقيق جدا ونستطيع استيعابه وفهمه كون سياسات الطرفين العدوانيّة متشابهة، وكذلك جرائمهم، ولكن عن أي انسانيّة يتحدّث؟ انسانية الصواريخ على أطفال غزّة أم أطفال اليمن؟
غزل سعودي
دافع الجنرال السعودي عن الشعب الاسرائيلي قائلا "هناك بإسرائيل، كما في العالم العربي، متطرفون ومتشددون، ولكن يوجد هناك أيضاً غير متشددين، وأصبح المتشددون قلة قليلة في إسرائيل"، وبعدها استشهد الجنرال عشقي باستطلاعات للرأي قامت بها صحف اسرائيلية، قالت إن أغلب الاسرائيليين يريدون السلام.
يحاول عشقي أن يظهر لنا الصهاينة بأنهم حمامات سلام تعيش فوق الأراضي الفلسطينية ولا تعتدي أبدا على الفلسطينيين ولاتغتصب أراضيهم ولا تشن حكومتهم التي يختارها هذا الشعب حروبا عدوانية على الشعب الفلسطيني ولبنان وغيرها من الدول.
والسؤال الذي يجول في الخاطر، ألا يخجل الجنرال السعودي من تصنيف الاسرائيليين بين متطرف وغير متطرف؟!، ألا يخجل ابن السعودية التي تعتبر نفسها حامية الحمى والمدافع الأول عن حقوق العرب من دموع أطفال غزة اليتامى ومنازلهم المدمرة؟!، والأنكى من هذا كيف يمكن له أن يتكلم عن التطرف وبلاده ساهمت ودخلت بشكل مباشر في حروب على أغلب الدول العربية ابتداءا من الجارة اليمن مرورا بسوريا والعراق وصولا إلى ليبيا؟!
وبعد هذا الكلام والتصنيف الجميل بحق الاسرائيليين، يكمل الجنرال حديثه متنصلا من القضية الفلسطينية معتبرا أنها أمر تفصيلي لا يجب ترجيحه على الأمور العامة، ويجب حل هذه القضية بين الفلسطينيين والاسرائيليين فهو أمر داخلي يجب التفاوض عليه فيما بينهم، وأضاف: "إذا قدَّمْنا الأمورَ التفصيلية على الأمور العامة، فالمسألة ستهتز ولن تحصل هناك تسوية"، مؤكداً أن "كل الجهات وكل الأطراف على استعداد للتفاوض"، من هي هذه الجهات؟ وهل الکيان الاسرائيلي يرضى بحدود العام 1968؟ بالطبع لا، فعلى ماذا التوافق؟ على تسليم فلسطين؟!!!
نفي سعودي
هناك سؤال محير جدا، لماذا يحاول السعوديون دائما نفي علاقاتهم وزياراتهم السرية إلى الكيان الاسرائيلي، هل يخجلون أمام شعبهم أم يتم تشويه صورتهم أمام إخوانهم العرب وتحديدا الفلسطينيين؟! الزيارات قائمة بين الطرفين ويكاد لا يخلو أسبوع من أخبار ومواقف تعبيرية عن مدى العلاقة الجيّدة واللطيفة بين "الرياض" و"تل أبيب" والتي كان آخرها الزيارة السرية التي قام ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان إلى "اسرائيل" في سبتمبر الماضي والتي كشف عنها مسؤول اسرائيلي رفض الكشف عن اسمه قائلا: "المسؤول السعودي الذي زار إسرائيل سراً، في شهر سبتمبر الماضي، هو محمد بن سلمان".
وأكد الصحفي الإسرائيلي، أرييل كهانا، الذي يعمل في أسبوعية "ماكور ريشون" العبرية اليمينية القومية، بتغريدة على موقع "تويتر"، في سبتمبر، أن بن سلمان زار "إسرائيل" مع وفد رسمي، والتقى مسؤولين. وكانت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية الناطقة باللغة العربية قالت، في السابع من الشهر ذاته: "إن أميراً من البلاط الملكي السعودي زار إسرائيل سراً، وبحث مع كبار المسؤولين الإسرائيليين فكرة دفع السلام الإقليمي إلى الأمام".
ولكنَّ كان من الملفت أن نفي الحكومة السعودية جاء متأخراً، حيث أكدت وزارة الخارجية السعودية، الأحد الماضي، أن ما يتم تداوله عن زيارة أحد المسؤولين السعوديين لإسرائيل "عارٍ من الصحة".
وحول التطبيع مع الکيان الاسرائيلي سأل الصحفي في روسيا اليوم، ما مدى استعداد الرأي العام السعودي لقبول فكرة التطبيع العلني مع "إسرائيل"، أجاب اللواء عشقي: "حسبما عرفت، وحسبما سمعت، وحسب ما قاله الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، لا تطبيع مع إسرائيل، وإن كل ما يُطرح هو تشويش، ويجب أن تطبق إسرائيل المبادرة العربية، ليس فقط أن تعترف بها، ولكن تطبقها".
هذا النفي أصبح مملا جدا للقارئ العربي الذي تعب من هذه الأكاذيب التي يراها كل يوم في أفعال آل سعود وزياراتهم المتكررة وعلاقاتهم الحميمة مع "اسرائيل" وتبرير أفعال الأخيرة وإظهار حجم البراءة لديها وكم هي متعاونة مع الفلسطينيين، حتى أنها مستعدة للتنازل عن المستوطنات لصالح اللاجئين الفلسطينيين، بحسب ما زعم اللواء عشقي.
في الخلاصة، يقول المثل الشعبي "إذا لم تستح فاصنع ما شئت"، المضحك المبكي أن الفلسطينيين أصبحوا لاجئين في بلدهم والسعودي يظهر مدى كرم الاسرائيلي في تقديم المستوطنات لـ"اللاجئين الفلسطينيين"، هذا الكلام السعودي والغزل الصريح للصهاينة كان في السابق كفيل بإسقاط حكومات، أما اليوم فعلى ما يبدو أصبح وجهة نظر.