الوقت- بعد إبرام اتفاقية المصالحة بين حركتي "حماس" و"فتح" الفلسطينيتين في القاهرة في 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري من أجل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، أثيرت تنبؤات وشائعات في المحافل السياسية والإعلامية بشأن شروط ونتائج هذه الاتفاقية.
في هذا السياق وحسب تقرير خاص لموقع "الوقت" التحليلي - الإخباري، استضاف مركز "نور" للدراسات والبحوث في طهران ندوة حوارية وفكرية بحضور أعضاء وفد حركة حماس برئاسة نائب الرئيس الجديد للمكتب السياسي للحركة الشيخ صالح العاروري وبمشاركة ناشطين ومتخصصين إيرانيين في مجال الدفاع عن القضية الفلسطينية.
وشهدت الندوة مناقشات الخبراء والمتخصصين وآراءهم بخصوص التطورات الجارية على الساحة الفلسطينية ومن بينها اتفاقية المصالحة الوطنية، وكذلك مستقبل حركات المقاومة الفلسطينية ومصير سلاح المقاومة في ظل المصالحة، وعلاقة حماس بالدول الإقليمية خاصة الجمهورية الإسلامية في إيران، حيث أوضح الشيخ العاروري مواقف حماس الرسمية بشأن هذه المواضيع.
وفي بداية حديثه تقدم الشيخ العاروري بالشكر الجزيل للجمهورية الإسلامية في إيران لحسن ضيافتها وتهيئة الأجواء المناسبة من أجل تبادل وجهات النظر مع المتخصصين والباحثين الإيرانيين في الشأن الفلسطيني.
وأكد العاروري: "نحن نشعر حقيقة وكأننا في وطننا، وخلال جميع اللقاءات التي جمعتنا بالمسؤولين الإيرانيين، شعرنا بالقوة واستنتجنا أن القضية الفلسطينية هي القضية الأولى والمحورية للجمهورية الإسلامية في إيران ومسؤوليها، وحقيقة أن تمسك القادة الإيرانيين بمبادئ القضية الفلسطينية ليس بأقل منّا إن لم يكن أقوى".
وأشار نائب رئيس المكتب السياسي لحماس إلى الدعم التاريخي الطويل للشعب الإيراني تجاه القضية الفلسطينية، وقال: إن القضية الفلسطينية كانت تعيش في أعماق الشعب الإيراني منذ انطلاق الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني "رض"، ويمكن القول أن فلسطين كانت نقطة الخلاف الأساسية بين الإمام الخميني"رض" ونظام الشاه.
وأضاف العاروي: يتجلى دعم القضية الفلسطينية في خطب وبيانات قائد الثورة الإسلامية، وكذلك في خطب أئمة الجمعة وعلماء الدين في الجمهورية الإسلامية الذين يدافعون عن الانتفاضة الفلسطينية والقدس الشريف؛ فالقدس وفلسطين هي القضية المحورية في إيران؛ وهذا الأمر يضاعف من مسؤولياتنا تجاه هذه القضية، ونحن نؤكد دائماً في لقاءاتنا مع القادة والمسؤولين الإيرانيين أن فلسطين والقدس قضيتنا جميعاً ولايحق لأي أحد التراجع عنها.
وحول مسار مفاوضات اتفاقية المصالحة الوطنية في القاهرة أوضح العاروري أن حركة حماس أصّرت في هذه المفاوضات على ضرورة الحفاظ على سلاح المقاومة وعدم التراجع عن أصول ومبادئ الحركة. وأضاف: على الرغم من أننا واجهنا صعوبات جمّة في الماضي وسنواجه مثلها في المستقبل، إلّا أننا نؤمن بسلاح المقاومة وحقّنا التاريخي في إقامة الدولة الفلسطينية وبحتمية زوال الكيان الصهيوني التي تعتبر من عقائدنا الفطرية والتي لايمكن الرجوع والتخلي عنها، فلهذا لن تتراجع حماس أبداً عن هذه الأصول والمبادئ، ولن تلقي بسلاحها على الأرض.
وبشأن حفظ سلاح المقاومة بعد إبرام اتفاقية المصالحة الوطنية أوضح العاروري" "أكدنا في اتفاق القاهرة صراحة على ضرورة حفظ سلاح المقاومة، وقد أعلنا ذلك أمام عدسات الإعلام، وشددنا على أن هذه الاتفاقية قد شملت كافة القضايا ما عدا قضية السلاح والمقاومة".
وفي جانب آخر من حديثه أشار نائب رئيس المكتب السياسي لحماس إلى أهمية تعزيز العلاقات مع الجمهورية الإسلامية في إيران من وجهة نظر القادة في الحركة، وأضاف: بعد توقيع اتفاقية المصالحة في القاهرة خرج رئيس وزراء الكيان الصهيوني "بنيامين نتنياهو" ليعلق على هذه الاتفاقية بالقول: "لدينا ثلاثة شروط لقبول المصالحة بين فتح وحماس؛ 1- ينبغي على حماس أن تلقي السلاح جانباً، 2- أن تعترف الحركة بـ "إسرائيل"، 3- أن تقطع الحركة علاقاتها بإيران، ولكننا أكدنا لدى ردّنا على هذه الشروط بأننا ليس لن نلقي السلاح جانباً فحسب؛ بل لن نعترف بكيان الاحتلال أيضاً، وسنحتفظ بعلاقاتنا مع الجمهورية الإسلامية في إيران ونسعى في الوقت نفسه لتعزيزها، وحضورنا اليوم في إيران هو تأكيد لهذا الموقف.
ونقل العاروري عن "يحيى السنوار" رئيس حركة حماس في قطاع غزة: إن حماس لن تقبل أبداً بالدعوات المطالبة بنزع سلاح المقاومة لأن الحركة تعتقد أن كيان الاحتلال في طريقه إلى الزوال، وليس هو في وضع يجعلنا نفكر بالاعتراف به.
وضمن إشارته إلى العلاقات المستقبلية بين حماس مع الجمهورية الإسلامية في إيران وصف نائب رئيس المكتب السياسي لحماس هذه العلاقات بالاستراتيجية والتي لا يمكن مقارنتها بالعلاقات بين الدول، قائلاً: نحن حركة مُقاومة في الداخل الفلسطيني لانملك دولة وليس لدينا ممثلاً في الأمم المتحدة، بل نحن نعاني من الحصار، ونعتقد بأن قضية فلسطين هي القضية المركزية للأمة الإسلامية، ونعتقد كما تعتقد الجمهورية الإسلامية بأن "إسرائيل" تشكل خطراً محدقاً يستهدف كيان الأمة بأجمعها، ونحن نعتبر المواجهة العملية والميدانية ضد الكيان الصهيوني واجباً شرعياً ونتوقع من الأمة الإسلامية أن تساندنا في تحقيق هذا الهدف.
إقامة الدولة الفلسطينية من النهر إلى البحر
ضمن حديثه عن مبادئ حماس السياسية والأمور التي ترتبط بها أشار العاروري إلى أن حماس كانت قد اتفقت مع منظمة التحرير الفلسطينية على تشكيل دولة فلسطينية على حدود عام 1967 كي نحافظ على أبسط حقوقنا في الأرض والوطن، ونحن نؤمن بتشكيل الدولة الفلسطينية من النهر إلى البحر؛ أي من "الناقورة" إلى "أم الرشاش" ونعتقد بضرورة عودة جميع النازحين الفلسطينيين إلى وطنهم الأم، ونحن لم نتراجع عن مبادئنا في هذا المضمار؛ فالمقاومة حق مشروع وأمر واجب وغير قابل للتغيير.
وبخصوص نهج حماس للحفاظ على سلاح المقاومة بعد إبرام اتفاقية المصالحة الوطنية أوضح العاروري أنه قد تم الاتفاق بشكل دقيق على كافة بنود المصالحة، وتم التأكيد على أن الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للمقاومة في غزة ستواصل عملها، ونحن في حركة حماس ليس لدينا أي هاجس تجاه مستقبل سلاح المقاومة، وكافة حساباتنا دقيقة ونمسك الأرض بالكامل، ونحن واثقون من أن سلاح المقاومة لن يتضرر؛ فالتحرك في طريق المقاومة هو هدفنا وهذه الحركة لن تتوقف إن شاء الله، والجيل القادم للمقاومة سيكون أكثر تمسكاً بالمبادئ والقيم الفلسطينية من الجيل الحالي، ونحن الآن بصدد إعداد مجاهدين لمستقبل المقاومة الإسلامية لمواجهة "إسرائيل" وسنواصل هذا الطريق بقوة حتى تحرير القدس الشريف، وإن شاء الله سنصلي معاً صلاة الشكر في المسجد الأقصى المبارك.
مؤشر العلاقة مع إيران في حال تصاعد وجيل المقاومة القادم سيكون أكثر صلابة
في جانب آخر من هذه الندوة تحدث "أسامة حمدان" القيادي في حماس ومسؤول العلاقات العربية في الحركة حيث أشار إلى مشروع أمريكا الاستعماري الرامي لتقسيم المنطقة وبثّ الفرقة بين الأمة الإسلامية، مؤكداً على أهمية الحوار والتفاهم الدائم باعتبار أن حماس تمثل جزءاً من العالم الإسلامي.
وأضاف حمدان إن مشروع تقسيم المنطقة هو مشروع أمريكي يتم إدارته في "إسرائيل"، وفي الواقع إن الكيان الغاصب للقدس يقف وراء هذا المشروع وهو من وضع أساس هذه الخطة.
وتابع حمدان حديثه بالقول: إن "إسرائيل" بصدد التطبيع مع بعض دول المنطقة وتشكيل تحالفات معها في الوقت الحاضر وذلك بهدف إشعال حرب ضد الإسلام والفكر الإسلامي لأنهم يعتقدون بأن الأسس والمبادئ الإسلامية تشكل البنية التحتية لمقاومة الشعوب في مواجهة الظلم.
وفي إطار تأكيده على ضرورة مواجهة كيان الاحتلال الصهيوني أوضح حمدان: إن ثلاثة عقود من تجربة حماس أثبتت أنه ليس هناك خيار سوى المقاومة وهو الطريق الوحيد الذي تنتهجه حماس.
وأشار حمدان أيضاً إلى أن حماس تضم في صفوفها مؤسسات من بينها مجلس الشورى ومكتب القيادة والمجلس الثوري، موضحاً أن الحركة غير قائمة على الأشخاص؛ بل هي قائمة على الإيمان والاعتقاد الراسخ بعدالة القضية، وكذلك على البرامج والعمل المؤسساتي الذي لايسمح أبداً بالانحراف عن مبادئ الحركة، وهذه المؤسسات تمتلك كوادر وطلائع ثورية تتحلى بالاعتقاد بالمقاومة أكثر من الجيل الحالي باعتراف الصهاينة أنفسهم.
المعيار هو المقاومة
وتحدث في هذه الندوة أيضاً الدكتور سعد الله زارعي مدير مركز "نور" للدراسات والبحوث الذي رحّب في بداية حديثة بوفد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" الذي ضمّ نائب رئيس المكتب السياسي للحركة "صالح العاروري" ومسؤول العلاقات العربية في الحركة "أسامة حمدان" ورئيس مكتب الحركة في طهران "خالد القدّومي"، وأعرب عن أمله في أن تسهم هذه الندوة في تعزيز التقارب بين الجانبين.
وأكد زارعي إن الشعب الإيراني والمتخصصين الإيرانيين في الشأن الفلسطيني يولون اهتماماً خاصاً بحركة حماس في جهادها لنصرة القضية الفلسطينية وتحرير القدس الشريف من براثن الاحتلال الصهيوني، مشيراً إلى أن الشعب الإيراني يأمل في أن تواصل حماس هذا الطريق إلى النهاية.
وأردف الخبير في الشؤون الدولية الدکتور"سعد الله زارعي" بأن التطورات الأخيرة التي حصلت في المكتب السياسي لحماس قد رجّحت الكفّة لصالح القوى الجهادية الفاعلة في ميدان المقاومة ضد الكيان الصهيوني وحازت هذه القوى على الأكثرية في المكتب السياسي للحركة، وهذا الموضوع قد أدخل السرور في قلوب الشعب الإيراني والخبراء الإيرانيين الذين يعتقدون بالمقاومة كخيار وحيد لتحرير فلسطين السليبة.
وأشاد "زارعي" بثبات حركة حماس على خط المقاومة رغم المنعطفات الصعبة التي واجهتها، مشيراً إلى أن تقييم الحركة يخضع لهذا المعيار.
وخاطب مدير مركز "نور" للدراسات والبحوث أعضاء وفد حماس بالتأكيد على أن إيران هي بلدهم الثاني وهم الآن بين محبّيهم وأنصارهم، قائلاً: "نحن نشعر بأننا من أسرة واحدة، وعندما يجتمع أعضاء الأسرة تكون لها خصوصيتان؛ الأولى: الأواصر العميقة للمحبة، والثانية الصراحة والشفافية في طرح المواضيع للارتقاء بواقع الأسرة الواحدة".
وفي ختام حديثه أشار زارعي إلى أهمية القضية الفلسطينية لدى الشعب الإيراني وقيادته وفي مقدمتهم قائد الثورة الإسلامية، وأضاف إنه خلال العقد الأخير كانت هناك تطورات كثيرة في مصر وليبيا والبحرين واليمن ولبنان وتونس وسوريا والعراق، وتابع: لو أمعنا النظر نجد أن كلمة فلسطين كانت الأكثر حضوراً بين كلمات قائد الثورة الإسلامية؛ وهذا الأمر يبين مدى اهتمام الجمهورية الإسلامية في إيران بفلسطين وبقضيتها العادلة.