الوقت - السبهان في الرقة؟!؛ ألف علامة استفهام وتعجب توضع خلف هذا العنوان، السعودية أرسلت وزيرها للشؤون الخليجية إلى مدينة الرقة بالتزامن مع خروج كامل لعناصر "داعش" من المدينة على يد قوات سوريا الديمقراطية التي أعلنتها محررة مساء الثلاثاء الماضي، ولم تكن دماء جثث الإرهابيين تجف حتى حط وزير الدولة السعودي ثامر السبهان بصحبة مبعوث الرئيس الأمريكي للتحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" بريت ماكجورك رحاله في شمال مدينة الرقة، ليعقد وخلال يوم واحد ثلاثة اجتماعات أثارت الكثير من الشكوك حول غاية الرياض من هذه الزيارة المشبوهة في هذا التوقيت بالذات.
وشملت الزيارة ثلاث اجتماعات مع ما يسمّى "المجلس المحلي للرقة" و"لجنة إعادة الإعمار"، إضافة إلى شيوخ العشائر، وأخذت الزيارة صدى كبير في الإعلام المحلي والعالمي وقيل إن الزيارة جاءت بهدف تقديم الدعم والمساندة لـ"مجلس الرقة المدني" في بلدة عين عيسى، بالإضافة إلى تقديم مساعدات سعودية لإعادة إعمار المحافظة.
ويبقى السؤال الأهم لماذا هذه المحبة السعودية المفاجئة لأبناء الرقة؟!، وهل مرافقة الأمريكي للسعودي بريئة أم إنها تأتي في إطار الدور الجديد الذي منحته أمريكا للسعودية بأن تكون بقرتها الحلوب، وبالتالي تمرير مشاريعها العسكرية والسياسية دون أي تكلفة كون السعودي كريماً جدا ولا يدع الأمريكي يدفع سنتا واحدا.
"البقرة الحلوب" اليوم تريد أيضا أن تحظى بدور جديد لها بعد تتالي خسارتها في اليمن وسوريا وقطر ودفعها مبالغ طائلة دون أي فائدة تذكر سوى زيادة التقشف لأبناء شعبها وإضعاف اقتصادها، وربما تأتي مسارعتها إلى الرقة نكاية بدولة أخرى كـ "تركيا" مثلا، التي فتحت جسور تواصل اقتصادية وعسكرية مع قطر مساهمة في فك الحصار الذي فرضه عليها أشقاءها الخليجيون بتحريض من السعودية.
قراءة بسيطة لما جرى ويجري تؤكد لنا أن السعودية ستلهث بكل ما تملك لأخذ دور جديد في سوريا عبر بوابة الرقة وبالتحديد عن طريق العشائر العربية التي ستتولى أمرها الرياض لأهداف سياسيّة تخطط لها منذ مدة، لاسيّما أن السبهان هو من يتولى زمام الأمور هناك وهو نفسه الذي أحدث بلبلة واسعة في العراق ويعدّ من أحد أركان المشروع السعودي في المنطقة، في مقابل ذلك سيتولى الأمريكي إدارة الملف الكردي، وفي كلتا الحالتين لن تصب الأمور في مصلحة الكردي.
أمر آخر يجب أن نشير له بأن هذا الدخول السريع للأمريكي والسعودي جاء خشية وقوع نزاع بين العرب والأكراد في الرقّة، الأمر الذي يعطي الجيش السوري الذريعة للدخول إلى المدينة دون أي ضجّة دولية، من ناحية أخرى قد تلعب السعودية على وجع الأكراد وتوهمهم بأنها تقدم لهم دعم اقتصادي لتحقيق حلمهم بإقامة حكم ذاتي خاصة أن الأكراد لايملكون مقومات داخلية لإدارة هذا الحكم لذلك لابد من دعم خارجي، ولكن هل تسمح واشنطن بذلك؟! يجب ألا ننسى أن السعودي يعمل تحت جناح الأمريكي، والأخير يواجه مشكلة حالية مع تركيا في هذا الموضوع الذي يشكل حساسية كبيرة للتركي الذي طالب الأمريكي بوقف تسليح الأكراد، وطمأنت واشنطن أنقرة عبر البنتاغون بأنها ستقوم بجمع السلاح الذي وزعته بين الأكراد بعد هزيمة داعش بشكل كامل.
من سيتولى حكم الرقة إذاً؟! الأكراد أم الجيش السوري أم من؟!
مبدئيا الأمور لاتصب في صالح الأكراد وتبدو أنها بعيدة المنال عنهم لإدارة الرقة أو تولي حكمها لمجموعة من الإعتبارات:
أولاً: صحيح أن قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والتي تشكل الوحدات الكردية المكون الرئيسي فيها، هي من أعلن تحرير الرقة منذ يومين، وصحيح أن الأكراد سيعملون على إدارة الحكم فيها، لكن يجب ألا ننسى أن غالبية سكانها عرب، وبالتالي لن يكون حكم الرقة مجديا من دون مشاركة أبناءها في هذا الأمر، خاصة أنهم سيعودون عاجلا أم آجلا.
ثانياً: هناك رفض تركي واضح وصريح لإدارة الرقة من قبل الأكراد أو حدوث أي تغيير ديمغرافي فيها بعد تحريرها، وكما ذكرنا آنفا فقد طمأنت واشنطن أنقرة حيال هذا الموضوع ووعدت بإيقاف تسليحها بعد هزيمة داعش، وتخشى تركيا أي فكرة لإنشاء كيانات كردية مستقلة جنوبها في الشمال السوري وهذا الأمر إحدى المشاكل التي تؤثر في العلاقة الأمريكية التركية اليوم، وانتقدت تركيا الزيارة الأخيرة للوزير السعودي خاصة أن الزيارة شملت "المنظمة الإرهابية" كما وصفتها صحيفة "يني شفق" التركية، المقربة من الحكومة، الأربعاء، وكتبت تقريرا عنونته "أميركا تجعل السعودية تدفع فاتورة الرقة".
ثالثاً: الجيش السوري اليوم أقوى بكثير مما كان عليه في السابق، خاصة بعد التقدم الكبير الذي حققه في دير الزور وصولا إلى الميادين، ومن المحتمل أن تعود إدارة الرقة للحكومة السورية وهذا السيناريو ليس بالبعيد خاصة بعد الانتصارات الأخيرة، فضلا عن أن واشنطن طرحت هذا السيناريو خلال اجتماعات المجلس المحلي مع الأوروبيين على أن تكون السلطة الأمنية بيد قوات سوريا الديمقراطية.
ختاماً، ستحاول واشنطن استخدام الرقة كنوع من الضغط للحصول على ميزات معينة أو لتحقيق مشاريع ما، وذلك من أموال السعودي الذي يضخ أمواله في حروب لم يجن منها أي شيء سوى الاستعراض وزيادة الضغوط الاقتصادية على شعبه، وكما يقول المثل الشعبي "في السرعة الندامة" على أمل ألا تحمل مسارعة السبهان "ندامة" سيبقى الانتظار ومراقبة ماسيجرى سيد الكلام.