الوقت- مع تركيز حكومة ترامب على السياسة الداخلية، وعلى الرغم من أبحاث مولر حول العلاقة بين الحكومة الحالية وروسيا، تراجعت قوة ونفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وقد كان هذا التراجع امتداداً لسياسات إدارة أوباما الفاشلة، حيث أحدث ذلك فراغ للسلطة في المنطقة، ويبدو ان روسيا هي البلد التي قد تكون على استعداد لتحل مكان أمريكا.
وكما كتبت وكالة انباء بلومبرغ: "يسلك الإسرائيليون والأتراك والمصريون والأردنيون طريقا نحو الكرملين، على أمل أن يكون فلاديمير بوتين سيد الشرق الأوسط الجديد، لتلبية مصالحهم وحل مشاكلهم. في حين ان سلمان، ملك السعودية، وزعيم اغنى دولة بترولية، يزور موسكو حاليا.
وترى بلومبرغ، ان واشنطن الى وقت متأخر، كانت هي وحدها زعيمة لهذه البلدان. ومع ذلك، فإن القدرة الأمريكية في المنطقة قد تضاءلت بشكل ملحوظ، مما يشير إلى نجاح التدخل العسكري الروسي في سوريا، حيث لم تنجح فقط في القضاء علی تهديد تنظيم داعش الارهابي، بل أيضا حافظت على حكومة الرئيس بشار الأسد، في الوقت الذي كان الكثير منهم يصرون على ضرورة تنحيه من السلطة.
وقال دينيس روس، وهو مفاوض سلام سابق، كان يقدم المشورة الى الرئيسين جورج دبليو بوش وباراك اوباما: "ان بوتين نجح في تحويل روسيا الى عامل حاسم وفاعل في الشرق الاوسط". ولهذا السبب تعتبر موسكو جهة ثابتة ومؤثرة في الشرق الأوسط ".
كذلك يحتل المال مكانة مهمة في هذا الخصوص، إذ كتب موقع ار تي: "قال الكسندر روبين لقناة العربية الفضائية إن الاستثمار المشترك بين روسيا والمملكة العربية السعودية، قد وصل إلى صندوق بقيمة مليار دولار في قطاع الطاقة، وقد تم الاتفاق بالفعل على موافقات اولية وبدائية بينهما". ويعتقد نوفاك ان روسيا ركزت على العمل مع السعودية، وان هذا التعاون لن يكون ضمن اطار الاوبك فحسب، بل سيستمر ضمن مجال الطاقة في قطاع الطاقة الكهربائية والطاقة المتجددة.
وأجرى مدير صندوق الاستثمار الروسي "كيريل دميتروبوف" صفقة استثمارية ضخمة مع صندوق الاستثمار العام السعودي الأسبوع الماضي. وفي عام 2015، أنشأ الجانبان شراكة قدرها 10 مليار دولار. كما لدى صندوق الاستثمار الروسي أيضا مشاريع مشتركة في روسيا مع المنظمة العامة للاستثمار. ويبدو أن استمرار هذه الشراكات سيفتح أبواب الشركات والمستثمرين الروس إلى المملكة العربية السعودية.
ومع ذلك، فإنه لا يزال يبدو أن هنالك مشاكل، لأن هناك فرق بين رغبات بوتين وما تريد المملكة، وليس من السهل ايجاد مصالح مشتركة مُرضية للبلدين في المنطقة نظراً لإختلاف وجهات نظر البلدين واستراتيجتهم في المنطقة. وتضيف ار تي: "كلما حاولت تكييف موقفك ومكانتك بين الاطراف المشاركة في اللعبة، سوف تجد مدى صعوبة الاستمرار في هذه اللعبة".
وكانت موسكو قوة عظيمة خلال الحرب الباردة في الشرق الأوسط. وكانت تقدم الدعم للحكومات العربية ضد الکیان الإسرائيلي. وعلى الرغم من انهيار الاتحاد السوفياتي الشيوعي فقد سيطرت روسيا على هذا النفوذ وان كان ضعيفاً.
وعندما غزت الولايات المتحدة عراق صدام حسين، كانت روسيا حائرة تماما. ومع ذلك، فقد كانت هذه القضية بالعكس تماما من الآن في عام 2013، عندما قررت الولايات المتحدة برئاسة أوباما عدم التعدي على بشار الأسد. لكن بعد عامين، أرسل فلاديمر بوتين قواته وطائراته ودباباته إلى سوريا وبدعم ایراني قوي هزم تنظيم داعش الارهابي. وكان حلفاء الولايات المتحدة يتجمعون سوية في مؤتمرات تنادي بوجوب رحيل الرئیس السوری بشارالاسد، ولكن سرعان ما تبدلت هذه مناداة الى توهم وذلك عندما لم تفرض امريكا اي ضغوطات على جيشها لغرض تنفيذ مزعمها بإسقاط بشار الاسد.
وفی هذا المجال قال "خالد باطرفي" الأستاذ في جامعة الفيصل في المملكة العربية السعودية: "للأسف، لقد تراجع أوباما بشدة من الشرق الأوسط". ويبدو ان هذا الرأي واسع الانتشار في المنطقة. وهذا ما أكد عليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في هذه الأشهر. وكان هو الذي حذر الاميركيين من اتخاذ اجراءات سريعة ضد الاسد، وكان يقول في نهاية المطاف "ان الحديث مع الاميركيين لن يسفر عن نتائج".
وفي هذا السياق، وقع الحدث الاكبر والتغيير الاكثر غرابة في السعوديين. هؤلاء الذين كانوا يموّلون منذ فترة طويلة المحاولات الر امية الى إسقاط بشار الأسد كما كانوا يمولون عمليات تنظيم القاعدة الارهابي، لكنهم الآن يقفون في طابور التعاون مع روسيا في محادثات السلام، مع شرط مسبوق وهو أن يبقى الرئيس السوري الأسد في منصبه.
وقد رحّب حلفاء الولايات المتحدة جميعا بتغيير رئيس الولايات المتحدة ووصول دونالد ترامب الى سدة الحكم. لأن ترامب قد دخل في تحدي مع إيران، على الرغم من أنه واصل اتباع سياسات أوباما في سوريا. لذلك فقد تضائلت رغبة تغيير الحكومة السورية وتغيرت الأولويات. ويحذر السعوديون ودول الخليجیة الاخرى، روسيا بضرورة تقليص دور ايران في سوريا في الوقت الذي يقدم فيه حزب الله اللبناني والقوى الشيعية قوة ساندة ومناسبة لبشار الاسد.
وفي حديث مع بلومبرغ، قال "عبد الخالق عبد الله" المحلل الامارتي: "من الأفضل لروسيا ألا تكون جزءا من هذا الموضوع. هنا، يتكلم الملك السعودي نيابةً عن الدول الخليجية". وما يثير الدهشة هو العوامل الاقتصادية التي تجعل روسيا أكثر دراماتيكية.
ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة 13 مرة أعلى من روسيا. وقال "الكسندر زوتوف"، السفير الروسي في سوريا بين عامي 1989 و 1994: "على الرغم من أن الأسد عامل مهم جدا، إلا أنه ليس كل شيء. في بعض الأحيان يكون لديك اثنين من الملاكمين في الحلبة، احدهما ضخم جدا وذو عضلات مفتولة، والآخر أصغر ضخامة ولكن أسرع وأكثر ذكاء وله مهارات أفضل ". في حين أن الاقتصاد هو عامل مقيِّد في روسيا، لكن لوقوف بوتين ضد الولايات المتحدة فوائد أخرى.
ويرى بول سالم من مركز دراسات الشرق الاوسط في واشنطن ان "بوتين لا يملك الكونغرس الذي يقلقه وليس لديه انتخابات ليشعر بخطر الفشل فيها. وما يزال الرئيس بوتين يزاول نشاطه الرئاسي منذ عقدين وهو وقت طويل جدا في الجغرافيا السياسية. وعندما يبقى الزعيم لفترة طويلة في سدة الحكم سيرسل اشارات ورسائل مستمرة، فهو يفعل ما يقوله، ويقول ما يفعله. "