الوقت- يقدّم وزراء الدفاع الأمريكيون في مذكّراتهم صورة إجماليّة عن أيّامهم في البنتاغون. المذكّرات، ورغم أهميتها للكاتب والقارئ على حدّ سواء، ومهما تضمّنت من معلومات يقدّمها الكاتب تحت عنوان "الأسرار"، إلا أن جميعها قد مرّت على الرقابة التي، بدورها، سمحت برفع السريّة عنها.
جديد المذكّرات العسكرية الأمريكية صدرت عن وزير الدفاع الأمريكي السابق أشتون كارتر الذي تولّى منصب وزارة الدفاع في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
آشتون كارتر
كارتر اتهم في تقرير عرض فيه جانباً من مذكّراته حول الدول الخليجة لناحية عدم ترجمة أقوالها إلى أفعال في ما يتعلق بقتال داعش في سوريا والعراق قائلاً إن "هذه الدول لطالما ساقت الأسباب والذرائع من أجل عدم إرسال قواتها البرية التي تفتقر للقدرة القتالية مقارنة بسلاح الجو".
كارتر الذي رحّب في شباط العام الماضي بعرض السعودية المشاركة بقوات برية في الحرب ضد "داعش"، يوضح اليوم أن "دول الخليج الفارسي كانت نشطة في الضغط وحملات العلاقات العامة التي لم تترجم بعمل ميداني". يستذكر كارتر محادثة بينه وبين أحد أعضاء الكونغرس "الذي كان وصل للتو من اجتماع مع دبلوماسي خليجي ادعى فيه الأخير أن هناك جيشاً سنياً من 70 ألف جندي وهؤلاء مستعدون للعبور نحو العراق وسوريا وهزيمة داعش". يقول كارتر"سألني عضو الكونغرس لما لم أقبل العرض؟ فأجبته "هل قال لك إن 60 ألفاً من هؤلاء هم سودانيون؟".
وفي حين يوعز وزير الدفاع الامريكي المماطلة الخليجية للعجز البرّي، يؤكد كارتر أنّ من بين أسباب تردد الخليجيين في العمل على نحو واضح جداً في سوريا وقبل كل شيء في العراق، عدم ترحيب القوات المحلية ومواطني البلدين بذلك.
روبرت غيتس
كلام كارتر، يعيدنا على سلفه روبرت غيتس الذي ردّد كلمات مشابهة لكارتر تجاه السعوديّة حيث أبدى الرجل الذي كان من صناع القرار الامريكي لسنوات طويلة، في وزارة الدفاع خلال ولاية الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش ولاحقاً باراك اوباما بالرئاسة لعدة سنوات قبل تركه منصبه، وقبل ذلك مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، أبدى انزاعجه من استجداء الملك عبدالله لأمريكا بغية شنّ حرب على ايران.
يؤكد غيتس في كتابه الذي طُبع تحت عنوان، "الواجب..ذكريات وزير دفاع" وجود بقايا عقل في القيادة الامريكية، التي لم تستجب لهذيان وجنون قادة السعودية، فبقايا هذا العقل حال دون ان تقع امريكا في الفخ السعودي، وتدخل في حرب لا يعرف الا الله حدودها وكيف تنتهي"، وكون الحرب مع أقوى قوّة إقليمية لن تكون سهلة على واشنطن بل كارثيّة بكل ما للكلمة من معنى.
أبرز الدلالات
تحمل مذكّرات وزارء الدفاع الأمريكيين، وكذلك الكشف عن بعضها قبل نشرها بشكل رسمي، جملة من الدلالات، يمكن الإشارة إاليها بعدّة نقاط أبرزها:
أوّلاً: اللافت أن وزراء الدفاع الأمريكيين الذين يمدحون السعوديّة خلال تولّي مناصبهم، يصوّبون عليها بشكل واضح بعد انتهاء مدّتهم، أو في مذكّراتهم، الأمر الذي يؤكد وقوف أسباب سياسيّة خلف المراعاة الأمريكية العسكريّة للجانب السعودي، ولكن ما هي هذه الأسباب التي تدفع بوزراء الدفاع للإدلاء بغير قناعاتهم، الذي يعودون إليها في مذكّراتهم؟
ثانياً: لا شكّ أن الصفقات العسكريّة السعوديّة التي تبرمها واشنطن مع البنتاغون الأمريكي يعدّ السبب الرئيسي في كسب ودّ وزارء الدفاع المتعاقبين، الذي يعيشون حالة "صحوة ضمير" في مذكّراتهم، فيتحدثون بطلاقة وصراحة بعيداً عن البرستيج العسكري والسياسي. الصفقات العسكرية التي تدرّ على الخزينة الأمريكية مئات المليات من الدولارات كفيلة بإسكات وزير الدفاع، وإبراز قناعات مختلفة عن تلك التي يضمرها. في الحقيقة، لعل النظرة الاقتصاديّة لوزارة الدفاع، كوزارة منتجة، رغم أنّها قد تبدو مستهلكة للوهلة الأولى، تفسّر الأسباب الآنفة الذكر.
ثالثاً: تكشف صفحات المصارحة لوزراء الدفاع العجز العسكري الخليجي بشكل عام، والسعودي على وجه الخصوص، رغم الكمّ التسليحي الهائل، ولعل تجربة العدوان السعودي على اليمن، خير دليل على العجز السعودي البرّي رغم التفوّق الجوي لأسباب تسليحية لا أكثر. ان افتقاد الدول الخليجية للقدرة العسكرية القابلة للاستخدام في مواجهة داعش، وفق كارتر، تتوازى مع رفض شعبي للدخول في مواجهة عسكريّة، ولعل هذا ما بفسّر تركيز السعوديّة على استخدام المرتزقة، كما في اليمن.
رابعاً: العجز العسكري السعودي، ولجوئها إلى مرتزقة سودانيين، يتوازى مع مطالبة واشنطن بمهاجمة ايران. سياسة الحرب بالوكالة عبر الاتكاء على مخزون نفطي كفيل بتغطية النفقات الاقتصاديّة لحرب الوكالة سواء في اليمن، سوريا، العراق وأي دولي في العالم. الهمجية والعدوانيّة أحد الإشارات الثابتة في مذكّرات وزار الدفاع حول السعوديّة.
خامساً: هناك من يرفض صحوة الضمير أو صفحات المصارحة لوزراء الدفاع، بل يؤكد أن الوزير يكشف جانباً ضيّقاً من هذه المعلومات بغية ابتزاز السعوديّة مالية وبالتالي عدم نشر معلومات اخرى كفيلة بالضغط على الرياض العاجزة.
هذا غيض من فيض المذكّرات التي يُسمح برفع السريّة عنها، إلا أّنّ واشنطن، حليفة الرياض، تعي حقيقة النظام السعودي قبل أيّ طرف آخر، وبالتالي قد لا نشهد تغييراً جذرياً في التعاطي الأمريكي مع الرياض في العصر النفطي؟ ولكن ما الحل، بالتأكيد ليس عند أمريكا، ولا السعودي، بل جزءاً مما قاله كارتر نفسه خلال آخر زيارة له إلى المنطقة كوزير للدفاع في كانون الأول/ ديسمبر /2016، وأعاده اليوم في خلاصة تقريره: لا يمكن لواشنطن أن تكون بديلة عن دول المنطقة.