الوقت- يحظى إقليم كردستان العراق بأهمية خاصة في السياسة الخارجية الأمريكية لما يتميز به من موقع جغرافي يمكن استغلاله لأغراض عسكرية وتجسسية، ولما يمتلكه من ثروات وقابليات يمكن الاستفادة منها في المشاريع الاستثمارية، فضلاً عن الفوائد السياسية والأمنية التي يمكن تحقيقها من خلال الإقليم لقربه من دول مهمة في مقدمتها إيران وتركيا وسوريا وروسيا.
وتجدر الإشارة إلى أن أمريكا كانت قد دعمت إقليم كردستان منذ تشكيله مطلع تسعينات القرن الماضي، وهذا يعد بحد ذاته سبباً آخر يدعو إلى التأمل بشأن مكانة الإقليم بالنسبة لواشنطن على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية.
وبسبب العلاقات المتوترة بين إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد نتيجة الخلافات السياسية والاقتصادية، خصوصاً فيما يتعلق بالمناطق المتنازع عليها وفي مقدمتها كركوك "الغنية بالنفط" والمناطق التي سيطرت عليها قوات "البيشمركة" التابعة للإقليم بعد تحريرها من تنظيم "داعش" الإرهابي ومن بينها قضاء سنجار التابع لمحافظة نينوى، سعت أمريكا الى توظيف هذا التوتر خدمة لمصالحها في العراق وفي عموم المنطقة.
وعندما اقترب "داعش" من كردستان بادرت أمريكا إلى دعمه عسكريا، وهذا يمثل أيضاً دليلاً آخر يوضح سبب اهتمام واشنطن بالإقليم.
وتجدر الإشارة كذلك إلى أن واشنطن سعت إلى تسوية الخلافات بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم؛ أي "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة "مسعود بارزاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة الراحل "جلال طالباني"، وجراء ذلك نشأت علاقات قوية بين الحزبين من جهة وأمريكا من جهة أخرى انعكست بشكل واضح على مجمل الأحداث والتطورات التي شهدها الإقليم والعراق بشكل خاص والمنطقة بصورة عامة طيلة أكثر من عقدين من الزمان.
ونتيجة الامتيازات والصلاحيات الكثيرة والمهمة التي مُنحت لكردستان خصوصاً بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 والتي تم تثبيتها في الدستور الجديد للبلاد الذي أقره البرلمان عام 2005، تمكن الإقليم من تطوير علاقاته مع واشنطن بشكل لم يسبق له مثيل، ووصل الأمر إلى حد مطالبة كردستان بالانفصال عن العراق. ورغم تظاهر أمريكا بأنها ليست مع الانفصال، لكن الحقيقة التي يعتقد بها معظم المراقبين هي أن الإقليم لم يكن ليبادر لإجراء استفتاء الانفصال قبل أكثر من أسبوعين لولا الضوء الأخضر الأمريكي في ظل سياسة واشنطن الرامية إلى تقسم العراق والمنطقة بأسرها في إطار ما يسمى "الفوضى الخلّاقة" التي طرحتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "كوندليزا رايس" للفترة بين (يناير 2005 - يناير 2009)، والمشروع المسمى "الشرق الأوسط الكبير أو الجديد" الذي طرحه نائب الرئيس الأمريكي السابق "جو بايدن" للفترة (26 يناير 2009 - 20 يناير 2017).
والحقيقة الأخرى التي ينبغي الإشارة إليها هي أن إقليم كردستان بات يمثل ورقة بيد أمريكا للضغط على الحكومة المركزية في بغداد وكذلك دول الجوار وتحديداً تركيا من أجل تنفيذ مآربها في المنطقة خصوصاً التي تتعلق بالوضع في سوريا والعراق وكيفية التعامل مع الجماعات الإرهابية لاسيّما "داعش" في هذين البلدين.
ومن خلال قراءة سريعة للزيارات التي قام بها المسؤولون الأمريكيون إلى إقليم كردستان، وكذلك الزيارات التي قام بها المسؤولون الأكراد إلى واشنطن خصوصاً رئيس الإقليم مسعود بارزاني يتجلى بوضوح عمق العلاقة بين الجانبين في كافة الميادين لاسيّما السياسية والأمنية.
وبالنسبة للجانب الاقتصادي يمكن الإشارة هنا إلى حجم المشاريع الاستثمارية التي نفذتها الشركات الأمريكية في شتى المجالات ومنها استخراج النفط من الإقليم وتصديره إلى الخارج عبر تركيا، والذي بلغت عائداته مليارات الدولارات والتي لم يحصل منها العراق سوى جزء بسيط فيما ذهب أكثرها إلى الإقليم والشركات الأمريكية المستثمرة.
وفيما يتعلق بمجال التجسس ذكرت الكثير من التقارير الخبرية بأن إقليم كردستان منح الشركات الأمنية الأمريكية امتيازات لنصب أجهزة تجسس على المنطقة برمتها والعراق ودول الجوار بشكل خاص، الأمر الذي حذّرت منه إيران مراراً باعتباره يشكل تهديداً لأمنها القومي على المديين القريب والبعيد.
ويعتقد الكثير من المحللين أيضاً بأن أمريكا تدعم إقليم كردستان باعتباره يمثل منطقة جغرافية واسعة من العراق وتقطنه غالبية كردية سنيّة، وهذا الأمر يمكن أن يتيح المجال لواشنطن لإثارة النعرات القومية والطائفية بين الأكراد من جهة وباقي شرائح الشعب العراقي من جهة أخرى، خصوصاً الشيعة في وسط وجنوب البلاد والسنّة في غربها، وهذا يتطلب من جميع العراقيين أن يكونوا على أهبة الاستعداد لإحباط أي مخطط يهدف إلى تقسيم بلادهم تحت أي ذريعة.
ختاماً لابدّ من القول بأن علاقات أمريكا السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية مع إقليم كردستان العراق تثير الكثير من علامات الاستفهام، وينبغي لكافة العراقيين ومعهم دول الجوار عدم إتاحة الفرصة لواشنطن كي تعبث بمصير الشرق الأوسط وغرب آسيا خدمة لمصالحها ومصالح حلفائها لاسيّما الكيان الصهيوني على حساب شعوب وبلدان المنطقة.