الوقت - تضم الكثير من المناطق المتنازع عليها بين الاكراد والحكومة المركزية العراقية –بصورة خاصة محافظة كركوك- قوميات مختلفة رافضة للانفصال عن العراق؛ حتى ان هناك خلافات بين اكراد هذه المناطق أنفسهم حيال ذلك، مما يعزز احتمال انهيار الاوضاع في هذه المناطق في حال اجراء الاستفتاء.
وبالنظر الى الانهيار الأمني المرتقب في حال إجراء الاستفتاء فإن الحكومة العراقية المركزية لن تقف موقف المتفرج على ذلك، وستستثمر جميع طاقاتها من اجل الحيلولة دون تقسيم البلاد.
رغم الضغوط والتحذيرات الداخلية منها والخارجية للحزب الديمقراطي الكردستاني ولزعيمه مسعود البارزاني شخصيا من اجل حثه على تعليق الاستفتاء، إلا أن اقتراب الموعد المقرر لاجراء الاستفتاء وتصاعد الضغوط لم يدفعا البارزاني للسعي من اجل التفاوض والتوصل الى حل سياسي أو توقيع اتفاق جديد مع بغداد، حيث اعتبر أن حل الخلافات غير ممكن، وأعلن عن عزمه تنفيذ الاستفتاء. وقال في كلمة له: سندخل في مفاوضات مع الحكومة العراقية ولكن بعد اجراء الاستفتاء ومن أجل الأمور الحدودية.
واعلن رئيس الوفد الكردي الذي زار بغداد يوم أمس السبت، روز نوري شاويس، أن الهدف من الزيارة هو الحوار حول اجراء الاستفتاء وموضوع كركوك، وان الحوارات مع بغداد حول جميع الأمور ستستمر بعد الاستفتاء. وبالنظر الى هذا المسار، يُطرح التساؤل القائل ما هي تأثيرات اعتماد الأكراد موضوع القومية من اجل تبرير مطالبهم للانفصال عن العراق؟
الاستفتاء غير مشروع وسيقود الى التوتر والصدامات
إن وجود الخلافات الدينية، القومية، اللغوية، السياسية والفكرية بين أبناء المجتمع الواحد أمر لا مفر منه، وهو طبيعي ولا يعد من ثمار عهد الحداثة، بل أنه امر ممتد على مدى تاريخ البشرية. إن هذه الخلافات هي التي دفعت الإنسان نحو التفكير بالعثور على آليات منظمة للتعايش السلمي المبني على التعاون المتبادل. وتعد الانتخابات، الاحزاب، الدستور..الخ جزءا من ثمار هذه العملية، وهي التي مهدت لرأب الصدوع المختلفة بين أبناء المجتمع ومنها التصدع القومي وتصدع هوية الفرد، وهذه الصدوع هي الشماعة التي لطالما علق عليها السياسيون مطالبهم للانفصال والتقسيم.
وفي عراق ما بعد عام 2003 كُتِبَ دستور للبلاد لتشكيل نظام سياسي فدرالي باتفاق جميع الاطياف السياسية والقومية واشراكهم جميعا –ومن ضمنهم الاكراد- في السلطة السياسية، وقد صوت الشعب عليه بالإيجاب. وبالنظر الى ذلك، فإن اصرار الحزب الديمقراطي الكردستاني على الانفصال عن العراق يعد أمرا غير مشروع سياسيا ويغض النظر عن الآليات الديمقراطية لحل الخلافات. وهنا مربط الفرس في توحد الجهود الدولية في رفض استفتاء الانفصال الكردي.
فإذا أصبحت القومية منطلقا لانفصال جزء من أراضي بلدٍ ومن دون الرجوع الى الدستور والرأي العام، فإن البلدان متعددة القوميات سوف تقسم الى اجزاء. هذا في حين أن أغلب شعوب العالم تتكون من قوميات مختلفة. ومن ناحية أخرى فإن القوميات المختلفة ضمن البلد الواحد عادة ما تكون مدمجة ببعضها البعض اما عن طريق السكن في مناطق مشتركة او عن طريق الزيجات المشتركة، وبناء عليه كيف يمكن رسم حدود قومية بين أبناء الشعب؟ ومن هذا المنطلق فإن اصرار قومٍ ما على الانفصال عن البلاد أو عن الأقوام الاخرى سيؤدي بطبيعة الحال الى توترات ومواجهات دموية لا مفر منها.
زعزعة الامن وتصعيد النزاعات في العراق والمنطقة
كلما كانت دولة الأمة اكثر انسجاما ووحدة، فإن الأوضاع الأمنية في البلاد ستكون أكثر استتبابا، وعلى العكس من ذلك فإنه متى ما كانت دولة الأمة غير منسجة فإنه تعد أرضا خصبة للممارسات والأحداث الأمنية. لذلك فإن القومية تعد متغيرا مهما في معادلة تقييم الأمن الوطني الذي تقع مسؤوليته على عاتق الحكومة ويعد جزءا مهما من مصالح الدولة.
تضم الكثير من المناطق المتنازع عليها بين الاكراد والحكومة المركزية العراقية –بصورة خاصة محافظة كركوك- قوميات مختلفة رافضة للانفصال عن العراق؛ حتى ان هناك خلافات بين اكراد هذه المناطق حيال ذلك. ويزيد هذا الامر احتمال انهيار الاوضاع في هذه المناطق في حال اجراء الاستفتاء. ومن هذا المنطلق لن تسكت الحكومة المركزية العراقية عن ذلك، وستستثمر جميع طاقاتها من اجل الحيلولة دون تقسيم البلاد، وقاد هذا الى تشكيل ائتلاف غير مكتوب بين دول المنطقة ضد استفتاء استقلال كردستان، جعل نجاح مشروع البارزاني محلا للشك.