الوقت- استعر القتال خلال العام الجاري بين الجيش السوري وتنظيم داعش الارهابي للسيطرة على مدينة السخنة الاستراتيجية، المدينة الحمصية التي تعدّ جسرا يربط الوسط السوري بشرقه، ناهيك عن محاولات المعارضة المسلحة اللاهثة للسيطرة على هذه المدينة.
إلا أن إعلان تحريرها من قبل الجيش السوري وحلفائه (ايران وحزب الله وروسيا) بات قاب قوسين أو أدنى، لاسيما بعدما سيطروا نارياً على بئر الغاز التي تحمل اسم مدينة السخنة، فضلاً عن التقدم في محيط البلدة من جهات متعددة واختراق دفاعات التنظيم الارهابي الذي أنهك السخنة لعدّة أعوام.
منذ الأمس وحتى اللحظة لايزال الجيش السوري وحلفاؤه يدكون مواقع إرهابيي داعش في محيط المدينة، وتمكنوا من التقدم داخلها من الجهة الجنوبية والسيطرة على مشفى السخنة متجهين نحو سوقها الرئيسي.
توغّل في عمق البادية
السخنة كما هو ظاهر أصبحت ساقطة ناريا من جميع الجهات، ويحاول الجيش الضغط على إرهابي داعش وترك منفذا وحيدا لهم للفرار.
والجيش السوري وحلفاءه سيطروا على كامل الحي الغربي للمدينة التي تبعد عن مدينة تدمر الأثرية (باليميرا) زهاء 70 كلم شرقا، ويطوّقها من 3 اتجاهات.
وتقدمت قوات المشاة التابعة للجيش السوري من محورين، وسط كثافة نيرانية مترابطة بين سلاحي المدفعية والطيران الحربي. وثبتّت قوات الإقتحام نقاطها في جبل الطنطور شمال شرق السخنة بعد معارك عنيفة شهدها المحور، وأشرفت نيران الجيش السوري على سوق المدينة بالكامل.
والمؤشرات الإيجابية لتحرير المدينة باتت واضحة مع تمكّن القوات السورية من إحباط هجوما لإرهابيي داعش في محيط السخنة، وقضت على جميع أفراد المجموعة المهاجمة في محيط المدينة بريف تدمر ودمرت عربة مدرعة مفخخة وعربتين مزودتين برشاشين.
أهمية استراتيجية ثلاثية الأبعاد
لم تأتي عمليات الجيش السوري لاستعادة المدينة على حين غرّة وإنما بعد نضال كبير استمر لأشهر عديدة، وذلك لما لمدينة السخنة من أهمية استراتيجية على الجغرافيا السورية، حيث تعدّ جسرا يربط محافظة حمص بدير الزور، كما أنها تعتبر آخر معاقل داعش الارهابي في محافظة حمص، لاسيما بعد طرد التنظيم من مدينة تدمر الأثرية.
والأهمية القصوى لتحرير السخنة من قبل الجيش وحلفائه هو أنها ستمهّد الطريق لمهاجمة المسلحين بشرق سوريا، مما سيضمن تحرير كامل الأراضي الشرقية من التنظيمات الارهابية. وتكتسب منطقة "السخنة" أيضا أهمية ثلاثية الأبعاد، فهي من جهة تعتبر مفتاحاً لمحافظتي دير الزور والرقة، وكذلك هي منطقة غنية بالغاز، وكذلك تسكنها قبائل عربية متعددة.
وفي حال الرجوع من السخنة باتجاه منطقة الأراك ثم "تدمر" ثم القريتين بريف حمص الشرقي، يمكن للمرء الوصول إلى منطقة "القصير" المحاذية للحدود اللبنانية. وهي المنطقة التي سيطرت عليها قوات المقاومة اللبنانية "حزب الله" بعد معارك ضارية مع الارهابيين.
وتعدّ المدينة الواقعة في عمق البادية الأقرب إلى دير الزور منها إلى الرقة، إلا أن باديتها تتصل بها مباشرة، مع اختلاف نسبي بالمساحة الفاصلة. وتتبع إليها مدينة "الكوم" التي تتوسط المسافة ما بين دير الزور والرقة.
ويأتي تحرير مدينة السخنة الاستراتيجية بفضل الخُطط والتكتيك العالي الذي اتبعته القوات المقتحمة للبلدة، والتي شكّلت خطا فاصلا نحو مُنطلق العمليات القادمة نحو دير الزور.
وعن تكتيك اقتحام المدينة الذي جاء من البوابة الغربية بعد السيطرة على جبل طنطور المشرف على مدخل السخنة من اتجاه طريق "تدمر - دير الزور"، حيث تمكنت بعد ذلك وحدات الجيش السوري والحلفاء من الإشراف على التلال المحيطة بجبل طنطور حتى استطاعوا بعدها دخول عدد من كتل الأبنية على الأطراف الغربية للمدينة، جراء اشتباكات ضارية أدت إلى مقتل عدد كبير من إرهابيي داعش.
وعلى مايبدو أن الجيش السوري وحلفائه سيتابعون عملياتهم وضغطهم العسكري على مواقع إرهابيي "داعش" في السخنة، حتى إخراجهم منها بشكل تام، وذلك لأن هذه المدينة ستكون قاعدة لانطلاق القوات السورية في عملياتها المرتقبة بعد تحريرها نحو دير الزور، حيث ستكون الوجهة الأولى على الأرجح نحو بلدة كباجب ثم الشولة فمحيط المدينة المحاصرة.
ويعيش في السخنة خليط من القبائل العربية، يطلق اسم "تدمريون" عليهم، كما يرد في بعض المصادر، نظراً إلى إقامتهم وخبرتهم التاريخية العريقة بطرق البادية الشاسعة، كما أنه تم العثور على تمثال لما يسمى الاله "جوبيتر" في منطقة السخنة الأثرية والذي يستقر الآن في إحدى متاحف اسطنبول.
في ختام هذا التحليل يمكننا أن نقول، بأن كل هذه الميزات المذكورة آنفا جعلت من السخنة أرض قتال ما بين جيوش أجنبية مختلفة، إلاّ أن كلمة الفصل ستكون للجيش السوري الذي بذل الكثير من دماء جنوده في سبيل استعادة المدينة الى أحضان الدولة.