الوقت- التحولات السياسية التي تجري في المنطقة عموماً واليمن علي وجه الخصوص، قلبت الطاولة على القوى السياسية والعسكرية القديمة وأنبتت قوى وتيارات جديدة لم تكن ذائعة السيط من قبل، وذلك على حساب القوى التي باتت منتهية الصلاحية أو تعد أيامها الأخيرة لانتهاء صلاحيتها، واللافت ان بعض هذه القوى الصاعدة اصبحت ترتفع لتتربع على العروش والساحات الدولية بادئة خطاها الى المحافل الاقليمية والدولية رغم كل ما تتعرض له من ضغوط.
ففي اليمن استطاعت حركة أنصار الله أن تجلب الأنظار والعيون نحوها، هذه الحركة التي تأسست عام 1992م بدت أقوى وأمتن بعد العدوان السعودي على اليمن بسبب ما حققته من انجازات جوهرية تخولها لانتزاع موقع دولي جديد. هذه الانجازات التي نتحدث عنها تختلف عن الانجازات الميدانية العسكرية المحضة، فهي انجازات متعددة تشمل صعداً مختلفة ومجالات متنوعة.
الانجاز الأول والذي يرتبط بالعدوان السعودي بشكل مباشر يتمثل بالصعيد العسكري، فالعدوان على اليمن أعلن هدفه منذ البداية بإعادة عبد ربه منصور هادي الى الحكم وكذلك منع زحف قوات انصار الله الى مراكز عبدربه، ولكن لا الضربات الجوية أعادت عبدربه ولا طيران التحالف منع أنصار الله من التقدم في المدن والمحافظات، حيث تمكنت انصار الله وفي غضون أقل من شهر ورغم الضربات الجوية من السيطرة على كل المحافظات اليمنية، باستثناء حضرموت والمهرة وجزيرة سقطرى وبعض المناطق في محافظتي مأرب وتعز، وكان ذلك نجاحاً كبيراً لحركة أنصار الله التي ظهرت كقوة عسكرية لا يستهان بها وقادرة على المواجهة والصمود.
وبالنسبة للانجاز الثاني فانه يختص بالشأن الداخلي اليمني، فالشعب اليمني أدرك ان انصار الله يشكلون قوة يمنية وطنية تهتم بالوضع اليمني الداخلي وترفض العدوان السعودي، وتقوم بمجابهته. فزعيم الحركة عبدالملك الحوثي أكد مراراً وتكراراً "ان الشعب اليمني لن يستسلم امام العدوان السعودي عليه ومن حقه مواجهة هذا العدوان"، وهذا ما جعل غالبية اليمنيين يلتفون حول الحركة التي اكتسبت قاعدة شعبية أوسع.
أما الانجاز الثالث الذي حققته حركة أنصار الله فهو اكتساب ثقة اليمنيين في قدرتها على ادارة البلاد. فبالرغم من العدوان السعودي على اليمن إلا أن حركة انصار الله استطاعت أن تحافظ على متانتها وأن تتابع مشاريعها، حيث كانت تجابه العدوان في الوقت نفسه الذي كان فيه تنظيم القاعدة الارهابي يتراجع تحت ضربات انصار الله.
والانجاز الرابع يتعلق بالصعيد السياسي، اذ أن حركة أنصار الله وبعد العدوان على اليمن استطاعت الظهور كقوة سياسية مؤثرة على الساحة السياسية اليمنية، فلا اتفاق دون موافقة الحركة، ولا مفاوضات دون مشاركتها، بل هي اساس المفاوضات وهي من يملي شروط عقد المفاوضات، وهذه المكانة جاءت من القاعدة الشعبية والثقة التي كسبتها الحركة من موقفها المعادي للعدوان السعودي ومن قدراتها العسكرية، وهذا ما جعل منها طرفا اساسيا للتوصل الى أي حل سياسي في البلاد وهذا ما أكده المبعوث الدولي السابق إلى اليمن "جمال بن عمر".
أضف الى هذا كله أن الحركة استطاعت الظهور كحركة قوية ومنظمة ولها حلفاء في المنطقة والعالم كما أنها تحظى بتأييد الكثير من الشعوب العربية والاسلامية التي يمكن أن تساعدها في حماية اليمن وإعادة بنائه.
اكتساب ثقة الجماهير اليمنية وتحقيق قاعدة شعبية واسعة اضافة الى تعزيز الدور في الساحة السياسية وفي الحوار الوطني ناهيك عن إشغال مركز عسكري هام في المنطقة، سلسلة الانجازات هذه تضاف الى جعبة حركة أنصار الله التي بدت بعد العدوان السعودي على اليمن أكثر قوة ومتانة وبدأت تُعرف بقوتها وبأسها، وتمتاز بسياستها وشجاعتها، فأصبحت تُعامل معاملة الكبار لتتسلل الى المحافل الدولية شيئاً فشيئاً.