الوقت - تعرضت السياسات غير العقلانية لدونالد ترامب الرئيس الأمريكي وشركائه حكام السعودية لأمن شعوب العالم وإستهدفتها بهجماتها الدموية التي راح ضحيتها أبرياء جهل التحالف أسمائهم وجهل الضحايا سبب تعرضهم لها.
في هذا المجال كتب ديليب هيرو في مجلة نيشن (الأمة) الأمريكية: هنالك قوتان مدمرتان في الشرق الأوسط والذي يعتبر من أكثر المناطق إضطراباً في العالم، وتسعى هاتان القوتان إلى تحقيق مآربهما من خلال إشعال فتيل الحروب بالنيابة وإستخدامها الأسلحة ماعدا الذرية ونشر الإرهاب وزرع الحروب الطائفية من سوريا إلى العراق واليمن وغيرها.
لربما كانت ظروف المنطقة حساسة جداً قبل حلول ترامب رئيساً للولايات المتحدة ولكن ما يستحق التأمل في الظروف الحالية هو إقامة ترامب علاقات وثيقة مع النظام السعودي ووقوفه إلى جانبه على الرغم من تهديداته وفقاً لسياساته الخارجية، الأمر الذي أصاب وزير الخارجية الأمريكي ووزير الدفاع بالحيرة والضبابية في فهم هذه المسألة.
والمثير للإهتمام هو معرفة ترامب السطحية بالعائلة المسيطرة على الحكم في السعودية وأُفقهم السياسي الضحل والمتهالك وإعتبارهم إيران سبباً لزعزعة الإستقرار في المنطقة. في حين أن مواقف ترامب غير ودية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأن عداوته المتزايدة لطهران ومخاوفه المرضيّة من إيران ستكون سبباً للصدام بين أمريكا وإيران.
ومن جهة أخرى يعاني ترامب إزدواجية طاغية وإنفصاماً واضحاً في نهجه مع روسيا، في حين يأمل تحسن العلاقات مع موسكو، وتقديمه الدعم الكامل للسعودية في تهديداتها لقطر وما شابه ذلك، وهذا ما يفسر أن جوهر سياسات ونهج ترامب المتعارضة فيما بينها تستمد سمتها وجوهرها من شخصية الرئيس الأمريكي المضطربة، الذي يفتقر إلى القدرات المطلوبة على الساحة السياسية والإدارية ويسير بنهج متخبط بلا إستراتيجية معينة، ولا يشعر بأدنى إحراج في سياساته المتناقضة.
أما بالنسبة لفهم الخلفية الأساسية للرؤى غير الثابتة والمتقلبة لترامب على الساحة السياسية والدبلوماسية فيمكننا إضافة أسباب أخرى أيضاً وهي عدم مقدرته على إجراء محاكاة وتحاليل سياسية متوازنة لمسائل الشرق الأوسط، فهو غير قادر على جمع كافة العوامل المؤثرة في مخيلته وفهم سوي مما يجعل إمكانية فهمه الصحيح للأحداث معدومة وخاصة في سوريا واليمن والعراق، ومن المؤكد أن ترامب لا يعلم مدى الإنعكاسات الهائلة التي يمكن أن تنتج جراء أي إجراء صغير على الساحة الدبلوماسية أو العسكرية.
أما بالنسبة لسياسات أمريكا العدائية تجاه إيران، فقد لاحت معالمها وبدأت حركتها منذ اليوم الأول لوصول ترامب إلى السلطة بإعتباره الرئيس الخامس والأربعين لأمريكا، وقد إرتكزت سياسته تجاه إيران بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام على ضغط البيت الأبيض على الدول العربية ذات المذهب السني وإجبارها على صرف مبالغ طائلة ومحاربة داعش تحت لواء البنتاغون، كما توجب على البنتاغون ووزارة الخارجية أن يجدا حلاً لتشتيت التقارب الروسي الإيراني في حل الأزمة السورية.
فيما حاول داعش مراراً وتكراراً منذ إنشائه وظهوره إلى العلن في حزيران 2014 إلى إرسال الجواسيس ومحاولة إختراق حدود الجمهورية الإسلامية في إيران، بينما واجهت إيران هذا الأمر بإجراءات إتصفت بالبصيرة والذكاء وأدخلت اليأس في قلب داعش من وصوله إلى أهدافه الشريرة. كما واستهدف داعش مساجد الأقلية الشيعية في السعودية بتفجيرات إنتحارية كان أولها في شهر أيار 2015 أدى إلى استشهاد 21 شخص وجرح 80 آخرين. وهذه الإيديولوجية الإرهابية هي القاسم المشترك بين داعش والوهابية.
وفي زاوية أخرى نجد أن أولى نتائج زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط لا تختص بإيران أو الشيعة بل بـ قطر البلد السني الصغير جار السعودية. فما الذنب الذي اقترفته قطر لتستحق هذا الموقف العدائي السعودي وخاصة أنها تستضيف على أراضيها واحدةً من أكبر القواعد العسكرية الأمريكية؟
قطعت العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين قطر والسعودية خلال أسبوعين فقط وود آل سعود تغيير نظام الحكم في قطر وهذا الأمر ينخرط ضمن هدفهم الأساسي في زعزعة أمن الجمهورية الإسلامية في إيران. بينما برّأ ترامب ساحة السعودية وألقى باللوم على قطر كأبرز صناع الإرهاب في العالم.
ومن الواضح عدم إمتلاك حلفاء السعودية في صراعها مع قطر لأي فهم صحيح وتحليل متوازن لظروف هذا البلد ونقاط قوته، بل أعلنوا الحرب عليه جزافاً. ورغم كل الضغوط المطبقة على قطر إلا أنها لم تستسلم لهم، ووضع ترامب الغر وعديم الخبرة السياسية يده بيد شريكه الجاهل محمد بن سلمان الذي لا تزيد خبرته السياسية أو فهمه وتحليله للمشهد السياسي عن شريكه الأمريكي قيد أنملة، وشرعا بتقديم صورة جديدة للإستبداد واللا عقلية.
ومن الممكن أن تؤدي قلة خبرة ترامب ومحمد بن سلمان وفهمهما القاصر للأحداث السياسية العالمية في الظروف الراهنة إلى آثار وويلات أكثر سوءاً على ساحة السياسة العالمية لن تخلف شيئاً سوى الدمار.