الوقت- لم يكن سقوط مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار متوقعاً بهذه السرعة من العراقيين شعباً وحكومةً. خسارة مدينة الرمادي الإستراتيجية تشكّل ربحاً ثميناً لتنظيم داعش الإرهابي الذي تلقّى ضربات ساحقة في الآونة الأخيرة على يد الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي.
لا شكّ في أن الحرب جولات وصولات ومن يربح جولة لا يعني أنه ربح الحرب، لذلك ليس في صالح العراق والعراقيين حالياً التباكي أو الوقوف مكتوفي الأيدي أمام هذا الواقع، ما يدفعنا للبحث عن الأسباب التي آلت إلى هذه الخسارة لرفعها وعدم الوقوع في فخها مرّة أخرى وبالتالي تحويل هذا التهديد إلى فرصة مناسبة. فما هي الأسباب التي تقف وراء سقوط مدينة الرمادي في أيادي التنظيم الإرهابي؟
أسباب السقوط
لا يمكن تحميل وزر سقوط مدينة الرمادي لطرف على حساب آخر، أو بالأحرى هنالك أسباب عدّة تقف وراء سقوط المدينة في يد التنظيم الإرهابي، أبرزها ما یلي:
أولاً: تعتبر عدم جدّية قوات التحالف الجوية ضد تنظيم داعش الارهابي منذ بدء التحالف الأجنبي، أحد الأسباب الرئيسية التي تقف وراء سقوط الرمادي، بل تظهر وقائع الميدان تواطؤ أمريكي غير مسبوق مع التنظيم الإرهابي تارةً عبر تجاهل قوات التنظيم الإرهابي، وأخرى عبر ضرب قوات الحشد الشعبي أو وضع العصي في عجلاتها.
ثانياً: إنسحاب قائد عمليات الانبار اللواء الركن محمد خلف من مركز القيادة في الرمادي وسقوطها دون حصول اي قتال فعلي، علما ان هذا الضابط كان مسؤولا عن تسليم الفرقة 12 في كركوك وهو اليوم المسؤول عن سقوط اللواء الثامن. هذا الانسحاب المفاجئ لقائد العمليات يضعضع العسكر ويؤثر على معنوياتهم. يذكر أن عضو لجنة الامن والدفاع النيابية نيازي معمار اوغلو، طالب أمس الاثنين، القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي "بإعفاء اللواء الركن محمد خلف سعيد، لتسليمه القطعات العسكرية والاليات في كركوك للجهات المتنفذة في المحافظة ".
ثالثاً: يتابع تنظيم داعش الإرهابي الخلافات السياسية بين القوى السياسية العراقية ويعرف كيف يستغل الظروف للتحرك، لذلك فقد استغلت جحافل داعش الإرهابية هذه الخلافات وتوجهت نحو الرمادي واستطاعت ان تسيطر على المدينة.
رابعاً: يركز التنظيم الإرهابي على محافظة الأنبار كونها تمتاز بموقع وأهمية كبيرة اقليميا، لذلك استطاع التنظيم الإرهابي دخول المدينة عبر الاستعانة بالقوات المتواجدة في محافظة الموصل وسوريا من ناحية، واستخدام بعض الخلايا النائمة التابعة له في المدينة من ناحية أخرى.
خامساً: الرؤية الخاطئة لبعض سكّان الأنبار حول قوات الحشد الشعبي أو "القوات الشيعية شبه العسكرية" كما يسمونها، وبالفعل قد نجح دعاة النفخ بالطائفية التابعين للتنظيم الإرهابي في جذب بعض الانباريين لصفهم عبر مقولة "القوات الشيعية شبه العسكرية".
سادساً: ضعف العشائر وعدم خبرتهم العسكرية في كيفية قتال التنظيم الإرهابي، كما أن لجوء بعض العشائر إلى واشنطن بدلاً من الاعتماد على أبناء وطنهم والحكومة العراقية، من اهم الأسباب التي أسقطت الرمادي في أيادي التنظيم الإرهابي.
سابعاً: ترك قوات الحشد الشعبي للمدينة وانشغاله في الفترة السابقة بتحرير محافظة صلاح الدين، خاصةً أن لهذه القوات الدور الأبرز في استعادة المدينة من التنظيم الإرهابي سابقاً.
ثامناً: منعت الخلافات القائمة بين الأفرقاء العراقيين، حكومة العراق من اتخاذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على مدينة الرمادي، كما أن تردّد العبادي في استخدام قوات الحشد الشعبي لتحرير المدينة أحد أهم أسباب السقوط.
تاسعاً: فشل العشائر العراقية في إخماد الأصوات (الشاذّة) المطالبة بمنع الحشد الشعبي من مؤازرة الجيش العراقي والعشائر السنية في تحرير مدينة الأنبار.
عاشراً: بذل التنظيم الإرهابي قصارى جهوده للسيطرة على محافظة الأنبار، بغية رفع معنويات مقاتليه بعد سلسلة الهزائم التي تلقاها داعش الإرهابي في سوريا والعراق من ناحية، وربّما الانطلاق لاحقاً نحو حزام كربلاء وبغداد من ناحية أخرى.
يبدو واضحاً أن الضعف العراقي يكمن في أسباب عدّة داخلية وخارجية، لذلك يتوجّب على العراقيين العمل سويةً من أجل رفعها لسحق هذا التنظيم الإرهابي. كذلك لا بدّ من إبعاد الجيش والشرطة عن الخلافات السياسية ودعمها بالامكانيات الضرورية لتمكينها من محاربة تنظيم داعش وحماية الوطن.
داعش تنظيم عقائدي ذو رسالة منحرفة، لن يدحره في المعركة الا قوات عقائدية، لكن ذات رسالة صحيحة كالجيش وقوات الحشد والعشائر العراقية. ولا خيار أمام العراق غير الاعتماد على أنفسهم في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي عبر إستراتيجية دفاعيّة جديدة عنوانها المعادلة الذهبية (المثلث الذهبي): الجيش- الحشد- العشائر.