الوقت - على الرغم من أن الجرائم واسعة النطاق التي ارتكبها الكيان الصهيوني في قطاع غزة أجبرت العديد من الحلفاء الغربيين على إعادة النظر في سياساتهم الداعمة لتل أبيب، إلا أن بعض الدول لا تزال تواصل نهج الدعم الكامل للمحتلين.
إيطاليا، بقيادة جورجيا ميلوني، من بين هذه الدول التي قدمت دعمًا سياسيًا وعسكريًا واسع النطاق للكيان الصهيوني، إلى جانب الولايات المتحدة، خلال حرب غزة، وهي أفعالٌ عرّضت رئيس الوزراء الإيطالي في نهاية المطاف لانتقادات لاذعة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والملاحقة الدولية.
في هذا الصدد، أعلنت ميلوني في خطاب ألقته مساء الثلاثاء: "أُحلتُ أنا ووزير الخارجية أنطونيو تاجاني، ووزير الدفاع غيدو كروستو، والرئيس التنفيذي لشركة ليوناردو، روبرتو سينولاني، إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة التواطؤ في الإبادة الجماعية في غزة".
وقالت رئيسة الوزراء الإيطالية: "لا نعتقد أن قضية من هذا النوع قد رُفعت في العالم أو في التاريخ"، كما سعت إلى تخفيف الضغط المحلي والدولي من خلال التعبير عن احترامها لمن نزلوا إلى الشوارع دعماً للشعب الفلسطيني، إلا أن هذه المواقف الديماغوجية تتناقض بشكل واضح مع سياسات حكومة روما تجاه الحرب في غزة.
وُقّعت الشكوى، المؤرخة في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، من قِبل حوالي 50 شخصاً، من بينهم أساتذة قانون ومحامون وعدد من الشخصيات العامة، الذين يتهمون ميلوني وآخرين بالتواطؤ في توريد الأسلحة إلى الكيان الصهيوني.
كتب واضعو الدعوى المرفوعة ضد القادة الإيطاليين في المحكمة: "بدعمها لإسرائيل، وخاصةً عبر توريد الأسلحة الفتاكة، تكون الحكومة الإيطالية متواطئة في الإبادة الجماعية المستمرة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية الخطيرة المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني".
يأتي هذا في الوقت الذي تُعدّ فيه إيطاليا واحدة من الدول الثلاث التي صدّرت "أسلحة تقليدية رئيسية" إلى الكيان الإسرائيلي بين عامي 2020 و2024، وفقًا لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، كما تُعدّ الولايات المتحدة وألمانيا مسؤولتين عن 99% من صادرات الأسلحة الأكبر إلى تل أبيب، بما في ذلك الطائرات والصواريخ والدبابات وأنظمة الدفاع الجوي، وقد استُخدمت هذه الصادرات من الأسلحة بشكل مباشر في العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد غزة، ما أثار انتقادات عالمية واسعة النطاق.
ووفقًا لصحيفة "ذا بالستاين كرونيكل"، "مع تصاعد جرائم الكيان الصهيوني، أعلنت حكومة ميلوني مؤخرًا أنه لن يتم إرسال أسلحة جديدة إلى الأراضي المحتلة، ولكن العقود السابقة مع شركة ليوناردو للأسلحة ستستمر، وهي أسلحة استُخدمت بشكل مباشر في العمليات ضد شعب غزة".
كذلك، ردًا على الشكوى الأخيرة ضد حكومة ميلوني، أعلن وزير الدفاع الإيطالي أن شحن الأسلحة إلى "إسرائيل" لم يتم إلا بموجب عقود قبل الـ 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وصرح أنطونيو تاجاني بأن إيطاليا أوقفت شحن الأسلحة تمامًا، وحصلت على ضمانات من تل أبيب بعدم استخدامها ضد المدنيين في غزة.
تُظهر هذه التصريحات الصادرة عن سلطات روما خوفها من موجة الدعم العالمي لفلسطين، وسعيها للهرب من الضغوط الدولية.
حاولت ميلوني كسب ود الولايات المتحدة والتخلص من ضغط رسوم دونالد ترامب الجمركية من خلال دعمها الواسع للكيان الصهيوني، لكن هذه الإجراءات لم تُسفر عن نتائج إيجابية فحسب، بل أدت أيضًا إلى نتائج عكسية، لأن ترامب لم يُقدم أي تنازلات لروما في هذا الصدد، واتُهمت ميلوني بارتكاب إبادة جماعية لوقوفها إلى جانب المحتلين.
يأتي تقديم رئيسة الوزراء الإيطالية إلى المحكمة الجنائية الدولية في وقت أصدرت فيه المحكمة مذكرات توقيف بحق بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، ويواف غالانت، وزير الحرب السابق في الكيان، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في ديسمبر/كانون الأول 2014، والآن، وبعد نجاحها في هذا الصدد، تسعى الحكومات والمحامون الداعمون لفلسطين إلى مقاضاة حلفاء تل أبيب الذين لعبوا دورًا في قتل الفلسطينيين.
إن إعلان ميلوني الرسمي عن جريمة التواطؤ في الإبادة الجماعية ليس لإثبات براءتها، بل لإرسال رسالة واضحة إلى المسؤولين الإسرائيليين مفادها بأن دعم إيطاليا لتل أبيب مستمر، ولكن بتكلفة باهظة، وعلى قادة تل أبيب أن يعلموا أنه حتى في الوقت الذي يتخذ فيه العالم إجراءات ضد قتل الفلسطينيين، فإن حكومة روما تقف إلى جانبهم وتحافظ على ولائها.
النهج المختلف للحكومة والشعب الإيطالي تجاه الصراع الفلسطيني
يستمر تواطؤ حكومة ميلوني مع الكيان الصهيوني بينما تدعم غالبية الشعب الإيطالي فلسطين، على مدار العامين الماضيين، عبّر مواطنو هذا البلد مرارًا وتكرارًا عن تضامنهم مع شعب غزة المضطهد بالنزول إلى الشوارع.
في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبعد أسبوع واحد فقط من بدء حرب غزة، خرج آلاف الأشخاص إلى شوارع روما ومدن أخرى، وفي مدينة بيزا، علّق المتظاهرون العلم الفلسطيني على برجها الشهير تعبيرًا عن تضامنهم، في عام 2024، نُظمت احتجاجات مماثلة في روما، والتي تحولت إلى أعمال عنف وأصيب ما لا يقل عن 37 شخصًا. في الـ 25 من سبتمبر/أيلول 2025، دعت النقابات العمالية إلى إضراب عام، شارك فيه مئات الآلاف من الأشخاص في جميع أنحاء البلاد، وكان الهدف هو الاحتجاج على سياسات الحكومة الداعمة لتل أبيب، في الـ 3 من أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام، خرج أكثر من مليوني شخص إلى الشوارع في أكثر من مئة مدينة إيطالية للاحتجاج على سياسات روما ودعم الشعب الفلسطيني.
علاوة على ذلك، حتى أساطيل المساعدات الإنسانية التي حاولت كسر الحصار المفروض على غزة عبرت الموانئ الإيطالية وحظيت بدعم شعبي واسع، ومع ذلك، لا تزال حكومة روما تُخفي دعمها لمجرمي الحرب.
في حين أن بعض الدول الأوروبية، مثل إنجلترا وفرنسا وإسبانيا وأيرلندا، قد عدّلت سياساتها مؤخرًا واعترفت بدولة فلسطين، وانفصلت إلى حد ما عن تل أبيب، لم تتخذ الحكومة الإيطالية أي خطوات ملموسة لدعم الشعب الفلسطيني، بل دعمت عمليًا جرائم المحتلين بصمتها وتعاونها السياسي، وقد خلق هذا الوضع فجوة واضحة بين السياسة الرسمية لروما والإرادة الشعبية.
آراء ميلوني الفكرية والسياسية
ينبع دعم ميلوني لحكومة نتنياهو المتطرفة من أفكارها العنصرية، جورجيا ميلوني هي زعيمة حزب "إخوان إيطاليا" اليميني المتطرف، ذي الجذور القومية والفاشية، تشغل ميلوني منصب رئيسة حزب المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين اليميني منذ عام ٢٠٢٠، وترى نفسها امتداداً لتقاليد اليمين المحافظ في إيطاليا.
وفي سن الخامسة عشرة، انضمت إلى الجناح الشبابي للحركة الاجتماعية الإيطالية الفاشية الجديدة، لكنها نفت في كتابها عام ٢٠٢١ أنها فاشية. ومع ذلك، فإن تصرفاتها في الاتحاد الأوروبي وتعاملها مع الصراع الفلسطيني يكشفان عن آرائها المتطرفة.
تتمتع ميلوني أيضاً بالتزام قوي بالأمن القومي والسيادة، وكثيراً ما عارضت السياسات الأوروبية الليبرالية واتحادات الهجرة، خلال أزمة غزة، توافقت نبرتها وموقفها مع قادة أوروبيين آخرين، وسافرت إلى الأراضي المحتلة مرتين للتعبير عن دعمها لتل أبيب.
تحديات روما في حال ثبوت التواطؤ مع تل أبيب
إذا أكدت المحكمة الجنائية الدولية تواطؤ الحكومة الإيطالية في الإبادة الجماعية الفلسطينية، وصدر حكم ضد مسؤولين في روما، كما حدث مع مجرمي تل أبيب، فإن التحديات السياسية التي تواجهها ميلوني ستزداد أيضاً، النتيجة الأولى هي انتقادات داخلية واسعة النطاق لدعم روما لكيان الاحتلال، إذ إن غالبية الإيطاليين يؤيدون فلسطين، ويُظهر الحضور الكثيف في الشوارع أن هذه السياسة قد تُقلل من قاعدة ناخبي حزب ميلوني اليميني في الانتخابات المقبلة، وتُثير الشكوك حول مستقبلها السياسي.
كما أن قرار المحكمة سيرفع الحصانة السياسية عن رئيسة الوزراء ووزرائها، وسيُعرّضهم لقيود سفر صارمة إلى دول أخرى، مثل مجرمي حرب تل أبيب، كما سيُقرّ المجتمع الدولي بأنها وحكومتها متواطئان في جرائم الصهاينة، وسيجعل شرعية حكومة روما موضع شك.
إضافةً إلى ذلك، تُعتبر أكبر العلاقات الاقتصادية والتجارية لإيطاليا مع دول شمال إفريقيا، وجميعها تدعم فلسطين، إن إثبات تواطؤ روما مع تل أبيب قد يُعطّل هذه العلاقات ويُغرق إيطاليا في أزمة اقتصادية حادة، أزمة من شأنها أن تُهدد أمنها الداخلي ومكانتها الدولية، ولا سيما في ظل تزايد الضغط والتضامن العالمي مع فلسطين.
في أعقاب موجة الدعم العالمي الهائلة للشعب الفلسطيني، يجب على الحكومة الإيطالية أن تنأى بنفسها فورًا عن مجرمي الحرب، لأنه إذا ثبت تواطؤ روما مع كيان الاحتلال في إبادة الفلسطينيين، فإن وصمة العار هذه ستبقى في جبين إيطاليا إلى الأبد، وقد تُزيل حزب ميلوني اليميني نهائيًا من الهياكل السياسية للبلاد.