الوقت- انعقدت في العاصمة القطرية الدوحة في منتصف سبتمبر 2025 قمة طارئة جمعت قادة الدول العربية والإسلامية لمناقشة التطورات الأخيرة بعد الهجوم الإسرائيلي على قيادات فلسطينية في الدوحة، في خطوة اعتبرها مراقبون تصعيداً غير مسبوق، القمة هدفت إلى توحيد المواقف العربية والإسلامية تجاه العدوان، إلا أن نتائجها كانت مخيبة للآمال، واكتفت معظم الدول المشاركة بإصدار بيان إدانة مكتوب دون أي إجراءات عملية ملموسة مثل قطع العلاقات أو فرض عقوبات اقتصادية على "إسرائيل".
اليمن: موقف قوي ورفض للاكتفاء بالبيانات
أبرزت تصريحات المسؤولين اليمنيين، وعلى رأسهم محمد علي الحوثي عضو المجلس السياسي الأعلى، رفض صنعاء لمخرجات اجتماع الدوحة، معتبرة أن الاكتفاء بعبارات الإدانة لا يمكن أن يوقف الجرائم الإسرائيلية المتواصلة في غزة وفلسطين، الحوثي أكد أن ما يجري من عدوان على فلسطين والمنطقة يشكل تهديداً مباشراً لكل الدول العربية والإسلامية، مشدداً على ضرورة إعلان مشروعية المقاومة الفلسطينية والاعتراف بـ"إسرائيل" ككيان إرهابي لوقف الانتهاكات المستمرة.
وأشار الحوثي إلى أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي أكد فيها أن أي دولة في المنطقة ليست بمنأى عن العدوان، تثبت أن التهديد الإسرائيلي لا يمكن مواجهته بالبيانات، بل يحتاج إلى إجراءات عملية ورادعة، كما شدد على أن اليمن من خلال دعمها السياسي والعسكري للمقاومة الفلسطينية تؤكد قدرتها على مواجهة الاحتلال بشكل مباشر، وأن ذلك يمثل نموذجاً يمكن للدول العربية والإسلامية اقتباسه لتعزيز صمود الشعوب ومواجهة العدوان الإسرائيلي.
انتقاد مخرجات الدوحة: غياب الحضور الفعلي للمقاومة
من جهته، وجه عبدالإله حجر، مستشار المجلس السياسي الأعلى في اليمن، انتقادات حادة لمخرجات الاجتماع، مؤكداً لقناة المسيرة أن القمة لم تطرح أي خطوات عملية واضحة، وأن جدول أعمالها تم وضعه مسبقاً بالتنسيق مع الولايات المتحدة و"إسرائيل"، ما حدّ من فاعلية القرارات، وأوضح حجر أن الاجتماع لم يتطرق إلى حركة حماس رغم أن الضربة الإسرائيلية كانت تستهدفها مباشرة، ما يعكس تجاهلاً متعمداً لدور المقاومة في الدفاع عن فلسطين.
وأشار المسؤول اليمني إلى أن القمة فشلت في تقديم آليات ملموسة لوقف التطبيع أو فرض العقوبات، واكتفت بإصدار بيانات تضامن لفظية، وهو ما يوضح هشاشة الموقف الرسمي العربي والإسلامي أمام الانتهاكات الإسرائيلية، وأضاف إن التجربة أثبتت أن "إسرائيل" لا تأبه بالبيانات أو التهديدات السياسية، وأن الرد الفعلي يحتاج إلى خطوات عملية وقرارات جذرية مثل الدعم العسكري والاقتصادي للمقاومة، كما تقوم به إيران وحزب الله واليمن.
الاقتداء بمحور المقاومة وإيران
تؤكد مواقف المسؤولين اليمنيين أن التجربة العملية لمحور المقاومة، بما يشمل إيران وحزب الله وحماس وأنصار الله، هي الأكثر فاعلية في مواجهة العدوان الإسرائيلي، فاليمن حددت نموذجاً عملياً للرد على التهديدات، يظهر من خلال دعم المقاومة بالسلاح والمال وتقديم خبرات عسكرية ولوجستية تساعد على كبح التوسع الإسرائيلي، ويشير هذا إلى أن الدول العربية والإسلامية يمكنها أن تتعلم من تجربة صنعاء وطهران ولبنان، وتحوّل خطاب التضامن إلى مواقف ملموسة تفرض معادلة ردع حقيقية على الأرض.
كما أن موقف صنعاء يوضح أن قوة الردع تتحقق حين تتكاتف الإجراءات السياسية والعسكرية معاً، وأن أي اجتماع رسمي دون خطوات عملية يبقى بلا قيمة، ولهذا السبب شدد المسؤولون اليمنيون على أن الدول العربية والإسلامية يجب أن تتخذ من محور المقاومة وإيران نموذجاً يمكن الاقتداء به في مواجهة "إسرائيل"، إذ إن التجربة أثبتت أن الاحتلال لم يحقق أي هدف أمام هذه القوى رغم امتلاكه كل الدعم الغربي.
ضعف فعالية القرارات
رغم أن القمة حاولت التعبير عن التضامن مع قطر وتنديد العدوان الإسرائيلي، إلا أن التجربة أثبتت أن هذه القرارات كانت شكلية أكثر من كونها جوهرية، فقد اكتفى البيان الختامي بالإشادة بـ"الحكمة والتصرف المتمدن لدولة قطر" دون أن يتضمن أي آليات تنفيذية، ما أثار انتقاداً واسعاً في وسائل الإعلام العربية، واعتبره محللون دليلاً على استمرار التبعية لبعض الدول للسياسات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
كما أن غياب أي إشارة واضحة إلى التحركات اليمنية أو دعمها للشعب الفلسطيني يدل على تجاهل دور محور المقاومة، الذي أثبت صلابة أكبر في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ويرى المراقبون أن استمرار سياسة الاكتفاء بالبيانات المكتوبة لن يوقف العدوان، وأن المرحلة المقبلة تتطلب تحركات سياسية وعسكرية اقتصادية حقيقية، تبدأ بتجميد التطبيع ووقف العلاقات الاقتصادية، وتنتهي بدعم المقاومة عملياً.
التأثير الإقليمي: تحديات وفرص
إن ضعف المخرجات الرسمية للقمة لا يعني غياب فرص التأثير، فتصريحات اليمن ومسؤوليه تؤكد إمكانية خلق محور مقاوم قادر على فرض معادلات جديدة في المنطقة، ويشير ذلك إلى أن القوة المعنوية والسياسية للمقاومة قد تكون أكثر تأثيراً من أي بيان رسمي، وأن التجارب السابقة أظهرت أن "إسرائيل" لا تتراجع إلا أمام رد عملي وملموس، وهو ما يفسر الدعوة الواضحة لصنعاء بأن تكون نموذجاً يحتذى به في مواجهة العدوان.
كما أن الموقف اليمني يمثل رسالة واضحة للدول العربية والإسلامية بأن الدعم المعنوي وحده لا يكفي، وأن المطلوب خطوات فعلية تتضمن دعم المقاومة الفلسطينية مباشرة، وممارسة الضغط على "إسرائيل" سياسياً واقتصادياً، وتنسيق الجهود مع محور المقاومة لضمان استعادة التوازن الاستراتيجي في المنطقة.
الحاجة إلى استراتيجية عربية وإسلامية فاعلة
يمكن القول إن اجتماع الدوحة الطارئ لم يحقق سوى الحد الأدنى من الإدانة، دون اتخاذ أي إجراءات عملية، في حين أن المسؤولين اليمنيين أكدوا أن المرحلة تتطلب اعتماد نموذج محور المقاومة وإيران كمرجعية في مواجهة "إسرائيل"، إن تحويل بيانات التضامن إلى خطوات ملموسة يصبح ضرورة استراتيجية، إذ إن استمرار الاكتفاء بالإدانات يتيح لـ"إسرائيل" مواصلة عدوانها دون رادع فعلي.
وفي ظل تزايد الضغوط الشعبية على القادة العرب والمسلمين، يظل الرهان على أن تتخذ الدول خطوات عملية وجادة تعكس حجم التضامن الشعبي مع فلسطين، وتعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية في سياق الصراع الإقليمي المتشابك، بما يضمن حماية شعوب المنطقة ويحقق الردع المطلوب ضد الاحتلال الإسرائيلي.