الوقت - بعد انقضاء يومين على وفود الوفد الرفيع لحركة حماس إلى القاهرة، أماطت مصادر مطلعة اللثام عن أن المباحثات بين وفد الحركة وكبار المسؤولين المصريين اشتملت على إيضاحات وافية من قيادات حماس بشأن تصريحات خليل الحية، زعيم الحركة في غزة، تلك التصريحات التي أجّجت نار الغضب المصري في الآونة الأخيرة، كما تطرقت المحادثات إلى المقترحات المتصلة بأتون الحرب، ومفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
وكان خليل الحية قد أطلق قبل أيام معدودة سهام النقد الحادة صوب الدول العربية لتقاعسها وتخاذلها إزاء ما يجري من مآسٍ في القطاع المنكوب، موجّهاً سهام النقد نحو الدور المصري في عرقلة وصدّ قوافل المعونات المرسلة إلى أبناء غزة المحاصرين.
ودعا الحية علناً مصر إلى تخفيف القيود المفروضة على معبر رفح، بيد أن تصريحاته قوبلت بسخطٍ بالغ من الجانب المصري الذي عدّها خارجةً عن المألوف، وبمثابة خطوات استفزازية تتجاوز حدود الدبلوماسية المعهودة، وعلى هذا المنوال، ترددت الأنباء خلال الأيام المنصرمة عن نشوب أزمة بين حماس والقاهرة، غير أن زيارة وفد الحركة إلى مصر بدّدت غيوم التوتر التي خيّمت على العلاقات بين الطرفين إلى حد بعيد.
مناورات نتنياهو الماكرة لـ"الاتفاق الشامل" ومساعي إخضاع حماس
تتزامن هذه التطورات مع مساعٍ حثيثة يبذلها الوسطاء في الدوحة والقاهرة وأنقرة للضغط على حماس لقبول مقترح جديد، يستند إلى ما بات يُعرف بفكرة “الاتفاق الشامل” الذي يضع أوزار الحرب ويفضي في نهاية المطاف إلى نزع أسلحة المقاومة في قطاع غزة، وهو المطلب الذي ما فتئ الكيان الصهيوني يلحّ عليه.
وفي هذا المضمار، جاهر بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بأن الجهود تنصبّ الآن على إبرام اتفاق شامل، وأنه لا سبيل إلى اتفاق جزئي، مؤكداً أنهم لن ينكصوا على أعقابهم، ويعني نتنياهو بالاتفاق الشامل، ذلك الذي يُفضي إلى تجريد المقاومة من سلاحها، الذي هو عماد صمودها وركيزة وجودها.
وأفضى مسؤول مصري ضليع بخفايا المفاوضات لصحيفة الأخبار قائلاً: “إن المرونة التي أبداها وفد حماس، سواء في ما يتعلق باحتمال وجود قوات دولية عربية في غزة بمهام محددة ريثما يتم تجهيز الشرطة وإرساء دعائم الأمن، أو تشكيل حكومة انتقالية برئاسة سمير حليلة، رجل الأعمال الفلسطيني، تعكس تفاهماً أولياً وأجواءً متفائلةً”.
وأردف المسؤول المصري: “إن إصرار حماس على الاحتفاظ بسلاح المقاومة في هذه المرحلة الدقيقة يبدو مفهوماً لدی القاهرة، وسيتم الاتفاق على أطرٍ محددة لمهمة القوات الدولية التي ستدخل قطاع غزة، وطبيعة إجراءات المقاومة التي ستلتزم بضبط النفس ولن تبادر بشنّ هجمات ضد القوات الإسرائيلية”.
وفي هذا السياق، أحاط جهاز المخابرات المصري وفد حماس علماً بخطة شاملة لإنهاء الحرب عبر اتفاق ذي شقين: الأول، اتفاق كبير لتبادل الأسرى، والثاني، آلية محكمة لضمان أمن غزة في المستقبل المنظور.
تفاصيل خطة إخماد أوار الحرب في غزة كما تنقلها المصادر العبرية
من الجهة الإسرائيلية، أماطت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية اللثام عن أن المسؤولين المصريين قدّموا خطةً جديدةً لوفد حماس، ترتكز على اتفاق شامل للإفراج الفوري عن جميع الأسرى الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح عدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين، وسيفضي هذا الاتفاق إلى إخماد نيران الحرب المستعرة في غزة.
وشددت هذه المنصة الإعلامية الصهيونية على أن الخطة تتضمن أحكاماً صريحةً لوقف إنتاج وتهريب السلاح في غزة، والإبعاد الرمزي لبعض قادة حماس خارج حدود القطاع مقابل انسحاب الجيش الإسرائيلي تدريجياً تحت مظلة إشراف دول عربية والولايات المتحدة من غزة، إلى حين التوصل إلى حلٍ نهائي بشأن الأسلحة وإدارة دفة الحكم في غزة.
وأوضحت “يديعوت أحرونوت” أن هذه الخطة تلزم حماس بقبول وقف إطلاق نار ممتد الأمد وتعليق نشاط جناحها العسكري خلال فترة انتقالية، مع ضمانات راسخة من الوسطاء وتركيا بعدم لجوء الحركة مجدداً إلى استخدام ترسانتها.
مساعٍ عربية حثيثة لتنفيذ مطالب الصهاينة بتجريد المقاومة من سلاحها
وكشفت قناة “كان” التلفزيونية الإسرائيلية من جانبها أن المرحلة القادمة ستشمل رقابةً دوليةً على نزع أسلحة الفصائل الفلسطينية تدريجياً، ربما مع إيداع الأسلحة في مستودعات تحت إشراف السلطة الفلسطينية وقوات عربية.
كما أفادت القناة الإسرائيلية الـ12 بأن الخطة الجديدة للوسطاء تسعى إلى حلول وسطى مثل التعليق المؤقت للنشاط العسكري لحماس تحت مظلة رقابة وضمانات دولية، وليس المطالبة بتسليم كامل لترسانة الحركة حتى التوصل إلى اتفاقات نهائية، وإذا تكللت المساعي الجارية بإكليل النجاح، فقد يعلن دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة، في القريب العاجل عن انطلاق مفاوضات لوقف إطلاق نار شامل وفق هذا المنظور.
وذكرت صحيفة “معاريف” العبرية أن الأمريكيين يقفون وراء هذه الخطة، شريطة تفكيك القدرات العسكرية لحماس، ولو على نحوٍ تدريجي، مع إشراك السلطة الفلسطينية في دفة إدارة غزة مستقبلاً، وفي هذا الخضم، تبدي السعودية والإمارات ميلاً ضمنياً لدعم أي ترتيبات تتعلق بغزة في إطار لجنة عربية، ما يعكس دعماً إقليمياً واسع النطاق للخطة الجديدة لإنهاء حرب غزة المستعرة.
وفي السياق ذاته، أفادت قناة “كان” التلفزيونية الإسرائيلية بأن الوفد الإسرائيلي المفاوض على أهبة الاستعداد للتوجه إلى القاهرة في غضون أيام معدودة في حال أحرزت محادثات المصريين مع حماس تقدماً ملموساً، للتهيؤ لمفاوضات مباشرة حول تفاصيل الاتفاق المقترح.
وأفاد موقع “أكسيوس” الأمريكي بأن "إسرائيل" تدرس إمكانية إيفاد وفد رفيع المستوى إلى الدوحة في نهاية هذا الأسبوع، ما يشير إلى أن مفاوضات ستُجرى بشأن اتفاق شامل يضع أوزار الحرب ويطلق سراح جميع الرهائن (الأسرى الصهاينة).
حماس لن تلقي بسلاحها طوعاً
بيد أن مسؤولاً مصرياً ضليعاً بمسار المفاوضات أفصح في حديث لصحيفة الأخبار عن اعتقاد الجانب الأمريكي بأن حماس لن ترضخ للمقترح الجديد، وهذا ما سيدفع "إسرائيل" إلى تنفيذ تهديداتها بشنّ حملة عسكرية واسعة النطاق للسيطرة على مدينة غزة.
وفي هذا المضمار، كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية النقاب عن أن المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين يرون أن احتمال موافقة حماس على نزع سلاحها ضئيل للغاية، وأن الحركة لن تلقي بسلاحها طوعاً، ورغم زعم مصر وقطر بأن حماس مستعدة للتخلي عن زمام السلطة في غزة، إلا أن "إسرائيل" تتشبّث بشرط نزع السلاح الذي يراه الوسطاء غير قابل للتحقق، على الأقل في هذه المرحلة الراهنة.
الخلافات السعودية المصرية في ملف غزة المتفجر
في غضون ذلك، عاد اقتراح نشر قوات دولية في قطاع غزة إلى صدارة المشهد، وتجددت المناقشات حول طبيعتها والدول التي يمكن أن توفد قواتها إلى غزة. وفي هذا الإطار، أبدت القاهرة استعدادها للانخراط في هذه الخطة، شريطة إضفاء صبغةٍ دولية عليها واشتمالها على عناصر عسكرية من دول أوروبية وحصولها على تفويض من هيئة الأمم المتحدة، كما تأبى مصر أن تتحمل مسؤولية قطاع غزة وإدارة شؤونه تحت أي ظرف من الظروف.
من جهة أخرى، تلوح في الأفق مخاوف جدية بشأن تحركات محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية، فيما يتصل بملف غزة وميله لفرض خيارات بعينها بالتنسيق مع الأردن، تدفع المقاومة نحو الاستسلام التام والخنوع المطلق.
ووفقاً لمصادر مصرية، هذا ما أورث القاهرة شيئاً من التردد، وعلى الرغم من التنسيق الدبلوماسي الظاهري بين القاهرة والرياض، بدأت تطفو على السطح توترات متجذرة حول غزة في ظل رؤى متباينة.
وشدّد المصدر المصري على أن مطالب المملكة العربية السعودية تشمل الضغط على المقاومة الفلسطينية للرضوخ لإملاءات الولايات المتحدة و"إسرائيل"، ودعم بعض مخططات النفي عبر آليات متنوعة حظيت بموافقة الأردن، وفي الوقت نفسه، تتصدى القاهرة لهذا المسعى دبلوماسياً في الوقت الراهن، من خلال التنسيق والتواصل الوثيق مع حماس.
