الوقت - في خضم الكارثة الإنسانية الهائلة في غزة نتيجةً لهجمات الكيان الصهيوني المتواصلة، اكتسبت الجهود الدبلوماسية لإنهاء الصراعات زخمًا جديدًا، في هذا السياق، اتخذت الولايات المتحدة خطوةً جديدةً نحو إدارة الأزمات بالكشف عن خطة ستيفن ويتكوف، الممثل الخاص للرئيس الأمريكي للشرق الأوسط، لوقف إطلاق النار.
هذه المبادرة، التي صممتها الولايات المتحدة بالكامل ودون مشاركة وسطاء إقليميين، تُركّز على وقف مؤقت للأعمال العدائية وتبادل الأسرى، وتسعى إلى استعادة الدور القيادي الأمريكي في عملية المصالحة، تضمنت الخطة في البداية وقف إطلاق نار لمدة 60 يومًا، يُفترض أن تُطلق حماس خلاله سراح 10 أسرى إسرائيليين وتسلم جثث 18 أسيرًا في بداية ونهاية الهدنة التي استمرت شهرين.
في المقابل، تعهدت تل أبيب بتسليم 125 أسيرًا فلسطينيًا محكومًا عليهم بالسجن المؤبد، و1111 أسيرًا من غزة، و180 جثة لأسير فلسطيني، كما شددت الخطة على إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، على أن تُعقد خلاله مفاوضات مستقبلية لإنهاء الحرب وانسحاب "إسرائيل" من غزة، قبلت تل أبيب الخطة، واعتبرتها فرصة لإعادة الأسرى وتخفيف الضغط الدولي، ومع ذلك، طالبت حماس، رغم عدم رفضها للخطة، بإصلاحات، تشمل وقف إطلاق نار دائم، وانسحابًا كاملًا للقوات الإسرائيلية من غزة، وضمانات لإيصال المساعدات الإنسانية. وصف ويتكوف هذه المطالب بأنها غير مقبولة بتاتًا، واعتبرها عقبة أمام التقدم على طريق السلام، وبدلاً من تضمين مطالب الفلسطينيين في بنود الاتفاق، قدم اقتراحًا مُحدثًا يتماشى مع مصالح الكيان الصهيوني، يختلف مقترح حركة حماس الجديد عن المقترح السابق الذي وافقت عليه حماس.
وفي هذا الصدد، صرّح القيادي في حماس، باسم نعيم، بأن الحركة تلقت رد تل أبيب على مقترح حركة حماس، وأن هذا الرد لا يلبي أيًا من مطالب الشعب الفلسطيني العادلة والمشروعة، ويقتصر مقترح حركة حماس الجديد على إطلاق سراح 10 أسرى إسرائيليين خلال أسبوع واحد، ما يعني أن صفقة تبادل الأسرى، بالإضافة إلى تسليم 18 جثة، ستُنجز خلال أسبوع واحد فقط، وهو ما عارضته حماس.
كما بادر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، باتهام الجانب الفلسطيني بتخريب عملية وقف إطلاق النار، مدعيًا أن رد حماس غير مقبول وسيؤدي إلى تراجع الأمور، وزعم مكتب نتنياهو أن حماس أصرت على رفض الخطة، في غضون ذلك، لا يقلق حماس سوى أنه في حال إطلاق سراح جميع الأسرى خلال أسبوع، سيستأنف الكيان المحتل هجماته ولن يلتزم بالتزاماته في الأيام الـ 53 المتبقية من وقف إطلاق النار، ولهذا السبب، لا يزال تنفيذ خطة ويتكوف معلقًا بسبب الخلافات بين حماس وتل أبيب حول عملية تبادل الأسرى.
من ناحية أخرى، أدى غياب مشاركة دول محورية في المنطقة، مثل مصر وقطر، اللتين لعبتا دورًا فعالًا في مفاوضات مماثلة، إلى إضعاف شرعية هذه الخطة وجدواها، وقد أثبتت التجربة أنه في غياب الرقابة الفعالة والضغط الدولي، وفي غياب ضمانات تنفيذ الاتفاق، دأب الكيان الصهيوني على انتهاك الاتفاقات.
الولايات المتحدة هي العقبة الرئيسية أمام وقف إطلاق النار في غزة
مع أن المسؤولين الصهاينة والأمريكيين يُحمّلون حماس دائمًا مسؤولية فشل مفاوضات وقف إطلاق النار، إلا أن واشنطن نفسها هي التي أضلّت مسار عملية السلام بسياساتها المنحازة تجاه الكيان المحتل، في حين تُعتبر هذه الخطة خطوة دبلوماسية أمريكية، يبقى السؤال الأهم: هل تسعى الولايات المتحدة حقًا إلى وقف الحرب، أم إنها ببساطة تسعى إلى إدارة الرأي العام مقابل دعمها غير المشروط لتل أبيب؟
سبق أن وُضعت خطط السلام الأمريكية هذه موضع الاختبار في عهد جو بايدن، حيث اقترحت إدارة بايدن خطة من ثلاث مراحل لوقف إطلاق النار في غزة، إلا أنها عمليًا، ومن خلال استمرارها في إرسال الأسلحة إلى الأراضي المحتلة واستخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرارات الأمم المتحدة لوقف الحرب، بعثت برسالة متناقضة إلى العالم، وهذا ما تواصله إدارة ترامب.
من المؤكد أن نجاح أي خطة سلام يعتمد على القدرة على تلبية المطالب الأساسية للطرفين، ورغم أن ترامب يدعم ظاهريًا وقف إطلاق النار في غزة، إلا أنه عمليًا يسعى إلى ضمان مصالح الصهاينة، ولا يُظهر أي إرادة لتلبية مطالب الفلسطينيين، لذلك، فإن إصرار حماس على وقف إطلاق نار دائم وانسحاب قوات الاحتلال نابع من انعدام الثقة الشديد والحاجة إلى ضمانات أمنية دائمة، انعدام الثقة هذا متجذر ليس فقط لدى حماس، بل لدى الرأي العام الفلسطيني عمومًا، إذ يعتبرون أي وقف لإطلاق النار مجرد هدنة تكتيكية لاستعادة تل أبيب قوتها العسكرية، ورغم أن فصائل المقاومة أبدت مرونة تجاه خطط وقف إطلاق النار، إلا أنها غير مستعدة للرضوخ لمطالب العدو الصهيوني، ووضعت قضايا مثل الانسحاب الكامل للقوات الصهيونية من غزة، وإرسال المساعدات الإنسانية، وعدم التفاوض على نزع السلاح كخطوط حمراء. إلا أن الخطط الأمريكية تجاهلت هذه المطالب المشروعة للفلسطينيين.
إذا أرادت واشنطن حقًا إنهاء هذه الأزمة، فعليها استخدام نفوذها الحقيقي لاحتواء تل أبيب من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم، إن استمرار دعم واشنطن العسكري والدبلوماسي لتل أبيب هو بمثابة ضوء أخضر لمواصلة قتل المدنيين في غزة، ولا يمكن أن يُؤمل السلام إلا إذا ضغطت الولايات المتحدة صراحةً وحزمًا على الكيان الصهيوني لوقف الحرب والانسحاب من غزة وإنهاء الحصار والاحتلال، ومن دون هذا الإجراء، لن يقبل شعب غزة أي خطة تُسمى وقف إطلاق النار كسلام حقيقي.