الوقت- في زمنٍ بلغت فيه وقاحة القوى الاستعمارية مبلغها، خرج السفير الأمريكي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مايك هاكابي، بتصريحاتٍ لا يمكن وصفها إلا بأنها صفعة وقحة في وجه القيم الإنسانية والشرعية الدولية، لم يكتفِ هاكابي بتجاهل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بل ذهب إلى مستوى جديد من الانحدار السياسي حين اقترح إقامة دولة فلسطين على الأراضي الفرنسية، في ردٍّ ساخر وعبثي على موقف فرنسا من الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
هذا التصريح ليس فقط معيبًا، بل هو امتدادٌ طبيعي للانحياز الأمريكي الأعمى للكيان الصهيوني، ومحاولة دنيئة لتقويض أي مسعى عادل نحو السلام والعدالة، إن من يدّعون أنهم رعاة "السلام" يكشفون عن وجههم الحقيقي في كل محطة، ويُثبتون أن ما تسمّى "الوساطة الأمريكية" ليست إلا قناعًا يغطي شراكة عميقة مع الاحتلال الإسرائيلي في جرائمه المستمرة ضد شعب أعزل يُناضل من أجل حريته وكرامته وحقه الطبيعي في الحياة.
تصريحات وقحة تُعبّر عن انحطاط سياسي وأخلاقي
لا يمكن وصف تصريحات السفير الأمريكي هاكابي إلا بأنها سقوط أخلاقي وسياسي مدوٍّ، يعكس استخفافًا صارخًا بالقانون الدولي ومبادئ العدالة الإنسانية، حين يقترح مسؤول أمريكي بهذا المستوى نقل دولة فلسطين إلى فرنسا، فإنه لا يعبّر فقط عن استهزاء مقيت بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، بل يكشف عن نوايا استعمارية مضمرة، تُعيد إلى الأذهان منطق الانتداب والتقسيم والتهجير القسري الذي مارسته قوى الاحتلال عبر التاريخ.
هذا التصريح لا ينفصل عن تاريخٍ طويل من المواقف الأمريكية الداعمة للاحتلال، لكنه يتجاوز حدود اللباقة الدبلوماسية ليُشكّل عدوانًا لفظيًا وسياسيًا فجًا، إن هاكابي لم يُخطئ فقط في الحسابات السياسية، بل خان –عن وعي– مبادئ القانون الدولي الذي يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه، وليس على أراضي دولٍ أخرى.
إن هذه اللهجة الاستعلائية التي ينتهجها بعض المسؤولين الأمريكيين لا تعكس سوى عقلية استعمارية لا تزال ترى في الشعوب المُضطهدة مجرد بيادق يمكن التلاعب بمصيرها، دون أي اعتبار لكرامتها أو تضحياتها. تصريح هاكابي هو بمثابة تحريضٍ صارخ على استمرار الاحتلال، وتجاهل متعمد لنكبة شعب لا يزال يدفع ثمنًا باهظًا لمواقف كهذه، تُضاف إلى سجل الولايات المتحدة الأسود في ملف حقوق الإنسان الفلسطيني.
انحياز أمريكي مطلق يفضح زيف “الوساطة”
إن تصريحات السفير الأمريكي لا تأتي من فراغ، بل تُجسّد بوضوح مدى الانحياز الأمريكي المطلق للكيان الصهيوني، لقد تحوّلت الولايات المتحدة من جهة "راعية للسلام"، كما تدّعي، إلى شريك أصيل في الجريمة، توفر الغطاء السياسي والدبلوماسي والعسكري لكيانٍ يمارس أبشع أشكال القمع والإبادة بحق الشعب الفلسطيني.
هذا الانحياز ليس مجرد مواقف عابرة، بل هو جزء من استراتيجية أمريكية راسخة هدفها دعم المشروع الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية، فمن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إلى شرعنة الاستيطان، وصولاً إلى تصريحات هاكابي، يتضح أن واشنطن لم تكن يومًا طرفًا نزيهًا في هذا الصراع، بل إن مثل هذه التصريحات تمثّل امتدادًا للسياسات الأمريكية التي تضرب عرض الحائط بقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، كيف يمكن لأي شعبٍ في العالم أن يثق بوساطة أمريكية تُجرد الفلسطيني من أرضه، ثم تسخر من مأساته بتصريحات وقحة كهذه؟ إن الدعم الأعمى الذي تقدّمه واشنطن للاحتلال الإسرائيلي لم يعد مجرد مساندة، بل بات جزءًا من آلية الاستعمار ذاته، وعلى المجتمع الدولي أن يدرك أن استمرار الصمت حيال هذا الانحياز لن يؤدي إلا إلى تصعيد الصراع، ومزيد من الدماء والدمار في الأراضي المحتلة.
تواطؤ سياسي يشرعن جرائم الاحتلال
تصريحات هاكابي لا يمكن فصلها عن مشروعٍ أكبر تُساهم فيه الإدارة الأمريكية، وهو مشروع تبييض جرائم الاحتلال وتبرير سياساته التوسعية والعدوانية، حين يطلق مسؤول أمريكي تصريحًا كهذا، فهو لا يتحدث من فراغ أو يعبّر عن رأي شخصي، بل يعكس نهجًا ممنهجًا تُطبقه الولايات المتحدة لتقويض أي اعتراف دولي بحقوق الفلسطينيين، بل إن هذه التصريحات تمثل تغطية سياسية واضحة لجرائم حكومة نتنياهو، التي تُمعن في قصف غزة، وتهجير أهلها، وتدمير بناها التحتية، وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية والقدس، وكأن واشنطن –عبر هاكابي– تقول للعالم: "دعوا إسرائيل تفعل ما تشاء، وسنُشرعن كل عدوانها"، هذا التواطؤ السافر يُعيد إلى الأذهان عصور الظلم الاستعماري الذي كانت فيه الشعوب تُباع وتُشترى وتُباد بأمر من القوى الكبرى.
واليوم، يتكرر المشهد بصيغته الحديثة، حيث تُمارس جرائم الحرب على الهواء مباشرة، فيما تُطلق الولايات المتحدة تصريحات تبريرية بل مهينة، تُعطي الضوء الأخضر لاستمرار الكارثة، إن تبرير الاحتلال لم يعد يقتصر على الدعم العسكري أو السياسي، بل وصل إلى مستوى الوقاحة في الإنكار الكلي للحقوق التاريخية لشعبٍ بأكمله، وهذا يُحمّل المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية مضاعفة، ويستدعي وقفة حازمة أمام هذا الجنون السياسي الذي يُشرعن الظلم ويُغذي آلة القتل.
دعوة عاجلة للردّ الدولي ورفض الهيمنة الأمريكية
في ظل هذا التصعيد اللفظي والسياسي الخطير، لا يكفي إصدار بيانات الشجب والاستنكار، ما قاله السفير الأمريكي ليس زلّة لسان، بل سياسة مكتملة الأركان تستوجب رداً دولياً صارماً يضع حدًا لهذه الغطرسة، على الدول العربية والإسلامية، بل كل الدول الحرة في العالم، أن تُعلن بوضوح أن زمن الصمت قد انتهى، وأن الهيمنة الأمريكية على القرار الدولي، ولا سيما في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، لم تعد مقبولة.
إن السكوت عن تصريحات كهذه يمنح الاحتلال ومن يدعمه المزيد من الغطاء لمواصلة سياسة الإبادة والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين، يجب أن تُترجم الإدانة إلى خطوات ملموسة، تبدأ بقطع العلاقات مع الاحتلال، وتمرّ بإعادة النظر في كل أشكال التعاون السياسي والدبلوماسي مع من يدافع عن جرائمه، وتنتهي بدعم نضال الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية وفي الميدان.
إن هذه اللحظة تُمثل اختبارًا أخلاقيًا حقيقيًا للمجتمع الدولي: إما أن يقف مع العدالة وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، أو يبقى رهينة دولةٍ تظن أن بإمكانها السخرية من معاناة الشعوب واستبدال الجغرافيا بالإهانة، يجب أن تُسمع الرسالة بصوت عالٍ: فلسطين ليست هبة، ولا وطنًا يمكن نقله أو الاستهزاء به، بل هي حقٌ أصيلٌ لا يسقط بتصريح، ولا يُطمس بسياسة استعمارية مهما بلغت وقاحتها.
في النهاية، إن تصريحات السفير الأمريكي تمثل لحظة سقوط مدوٍّ في سجل السياسة الأمريكية المنحازة دومًا للاحتلال، وتكشف عن عقلية استعمارية مريضة لم تَعُد قادرة حتى على التظاهر بالحياد أو الاحترام.
لم تكن فلسطين يومًا قضية هامشية، ولن تكون، وهي اليوم تواجه ليس فقط احتلالًا غاشمًا، بل تواطؤًا دوليًا يقوده المتغطرس الأمريكي بلسانٍ وقح وأجندة عدوانية، الردّ على هذه الإهانة لا يجب أن يقتصر على الغضب، بل يجب أن يتحول إلى حراك عالمي، سياسي وشعبي، يُجبر المعتدي على التراجع، ويؤكد أن حقوق الشعوب لا تسقط بالسخرية أو الإنكار.
فلسطين لن تُقام على أرض فرنسا أو غيرها، بل على أرضها، أرض الآباء والأجداد، أرض الشهداء والمقدسات، ومن لا يُدرك هذه الحقيقة، فهو شريك في الاحتلال، وعدوٌّ للإنسانية، آن الأوان لكسر هذا الصمت، والوقوف في وجه آلة الكذب والغطرسة، لأن ما يجري لم يعُد مجرد سياسة، بل هو عدوان فجّ يجب أن يُواجَه بكل الوسائل المشروعة.