الوقت- سبق زيارة الرئيس الروسي لفرنسا ولقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قصف إعلامي تمهيدي بين الجانبين يؤكد على عمق الخلافات بين الطرفين رغم الأمل الذي يحاول البعض بثه من أجل تحسين هذه العلاقات مستقبلا. فقد صرحت مصادر في قصر الإليزيه قبيل الزيارة ما مفاده أن "الأولوية الفرنسية هي ألمانيا والمشروع الأوروبي في حين أن رهان موسكو كان على تفكك أوروبا". وفي موسكو رأى فيدور لوكيانوف رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاع أنه "ليس علينا توقع الكثير من هذه الزيارة، إنها مجرد زيارة تعارف سعيا لإيجاد أجواء إيجابية".
أما مناسبة اللقاء الثنائي فكان افتتاح معرض فنيّ عن الزيارة التاريخية التي قام بها القيصر بطرس الأكبر لفرنسا في العام 1717م أي قبل ثلاثمائة عام تماما والتي دشنت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. إضافة إلى افتتاح بوتين للمركز الروسي الروحي والثقافي الأرثوذكسي في باريس بعد تأخير لأكثر من 8 أشهر، التأخير الذي أتى بسبب الهجوم الذي نفذه الجيش السوري مدعوما بالحليف الروسي على مدينة حلب السورية والذي أدى لتحريرها، هذا الهجوم كان مقدمة لتصعيد غير مسبوق في الخطاب بين باريس وموسكو دفع بوتين لإلغاء زيارته في حينها.
أما عن تفاصيل اللقاء الأول الذي جمع بوتين إلى الرئيس الفرنسي الشاب في قصر فرساي البارحة، فقد أكد خلاله ماكرون وجود خلافات حقيقية وكبيرة بين موسكو وباريس، متحدثا عن محادثات صريحة ومباشرة جرت بينهما، في محاولة لإطلاق مسار جديد في العلاقات الثنائية التي اتسمت بالتوتر خلال السنوات الأخيرة بشأن ملفات عدة خصوصا الملف السوري والأوكراني.
وبعيد اللقاء عقد الطرفان مؤتمرا صحفيا مشتركا، أكد خلاله الرئيس الروسي أن المصالح الأساسية لكل من روسيا وفرنسا أهم بكثير من الوضع السياسي الحالي، مضيفا: "لقد اتفقنا على أن القضية الأكثر أهمية اليوم ومهمتنا المشتركة هي مكافحة الإرهاب" متطرقا للأزمة السورية التي اعتبر الموقف الروسي منها واضحا ومعروفا، والحقيقة أنه من المستحيل التعامل مع التهديدات الإرهابية التي تدمر البلاد والمؤسسات، لذلك من الضروري العمل لتوحيد القوى لتحقيق النتائج الإيجابية المرجوة".
يضيف الرئيس الروسي غامزا من باب التحالف الأمريكي لمكافحة الإرهاب قائلا: "روسيا لا تعلم مدى استقلالية فرنسا في حل المسائل الميدانية السورية، بما أن الحديث يدور عن اتفاقات بين أعضاء التحالف الدولي بقيادة واشنطن، والتي فرنسا عضو فيها".
كما أشار بوتين في معرض حديثه إلى الأزمة الأوكرانية التي تعتبر بدورها واحدة من نقاط الخلاف الكبيرة مع فرنسا، معتبرا أنه يجب العمل بشكل ثنائي لإيجاد حلول مشتركة لها. هذا وأشار بوتين إلى خطورة الأوضاع في كوريا الشمالية، داعيا في ختام حديثه ماكرون لزيارة موسكو وقضاء أسابيع هناك.
بدوره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والذي كانت أيامه الرئاسية الأولى حافلة، حيث شارك الخميس الماضي في قمة حلف شمال الأطلسي في بروكسل لينهي أسبوعه مع قمة مجموعة السبع في إيطاليا، والذي يحاول إظهار نفسه بمظهر القادر على التعامل مع كافة الأمور أراد أن يستكمل خطوة المصافحة القوية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخطوة قوية أخرى في مواجهة الرئيس الروسي بوتين. وقد اعتبرت بعض الصحف الغربية أن هذه الزيارة ستكون بمثابة امتحان قوة حقيقي لماكرون.
بدأ اللقاء بمصافحة ماكرون لبوتين التي وُصفت بأنها أقل قوة من مصافحته لترامب، وبعد اللقاء وخلال المؤتمر الصحفي المشترك أكد ماكرون أنه مع الحفاظ على سوريا لأن الدولة الفاشلة تشكل تهديدا قائلا:"لقد تعلمنا وشاهدنا كيف أن التنظيمات الإرهابية تتقدم مع سقوط أي دولة"، وفي موقف لافت أكد أنه لا بد من النقاش مع ممثلين عن الرئيس السوري بشار الأسد وأنه مع الحل السلمي للأزمة وانتقال السلطة، واضعا خطا أحمر وهو "استخدام الأسلحة الكيماوية".
وفي جواب على سؤال حول إعادة افتتاح السفارة السورية في باريس اعتبر الأمر ليس أولوية. مؤكدا حرص باريس على تعزيز الشراكة مع موسكو والعمل سويا على استئصال المجموعات الإرهابية وخاصة داعش معلنا الاتفاق على إنشاء مجموعة عمل بين البلدين لمكافحة الإرهاب.
إذا لقاء كان روتينيا جدا ولم يتعدى سقف التوقعات التي سبقته، كما أن الزيارة لم تستطع تحقيق تقدم واضح وملموس في العلاقات الفاترة بين البلدين، خاصة أن التصريحات التي أطلقت كانت بمستوى منخفض وتتسم بالحذر من قبل الطرفين دون الخوض في تفاصيل جدية حول حلول ممكنة للأزمة السورية أو الأوكرانية.