الوقت- يلعب الإعلام دوراً هاما ًومؤثراً في توجهات الرأي العام واتجاهاته، وصياغة مواقفه وسلوكياته من خلال الأخبار والمعلومات التي تزوده بها وسائل الاعلام المختلفة. اذ لا يستطيع الشخص تكوين موقف معين أو تبني فكرة معينة إلا من خلال المعلومات والبيانات التي يتم توفيرها له، لهذا أصبح الإعلام في الآونة الأخيرة أحد اسلحة المعارك الطاحنة في ساحات الصراع، متحولاً أداةً لكيّ الوعي وتخدير العقول ودفعها عبر اللاوعي الى اتخاذ مواقف تهدف القنوات الإعلامية ومن ورائها الى زيادة مخاوف المشاهد وبالتالي السيطرة عليه نفسياً، لهذا لابد من الإشارة الى العلاقة الجدلية بين الإرهاب والإعلام في الوقت الحاضر وكيف سعى صانعوا الإرهاب الى إخراجه هولييودياً؟
كيف يخدم الإعلامُ الإرهابَ؟
من خلال متابعة أهداف الإرهابيين يتبين لنا أن دبّ الرعب والخوف في صفوف أعدائهم من الأمور الإستراتيجية، كل ذلك من أجل السيطرة عليهم نفسياً وبالتالي سلبهم الإرادة، فبحسب الباحثين النفسيين في هذا الحقل، فإن محركي العمليات الإرهابية قد يحجمون عن تنفيذ عملياتهم في حال علموا مسبقاً أنها لن تترافق والدعاية الإعلامية الكافية للإعلام عن الخسائر التي ألحقوها بأعدائهم. أما هدفهم الأساسي من وراء ذلك، فيتمثّل بخلق أجواء التأزم والفوضى والإنهيار. ولهذا نرى كثيراً من المجموعات الإرهابية مثل «داعش» و«القاعدة» وغيرهما يستخدمون تلك الطرق، فما حدث مع الطيار الأردني الكساسبة خير دليل على ذلك ومن ثم قتل العمال المصريين بطريقة إعلامية هولييودية الإخراج.
لقد استفاد الإرهاب من هفوات الإعلام بشكل غير مباشر في بعض القنوات التي تفتقد الى الخبرة، أو من القنوات التى ترتبط بالمجموعات الإرهابية مثل العربية وغيرها من الأمبروطريات الإعلامية التي مُولت وصُنعت من اجل مواكبة المشاريع السياسية التي تحاك في الغرف المظلمة، فكانت تلك الممالك الإعلامية الوجه الآخر للإرهاب واستفاد منها الى حدٍ بعيد في غير أمكنة كالعراق وسوريا وغيرهما ورافق ذلك دعم من القنوات الأجنبية التي لا يقل خطرها عن تلك الانفة الذكر سابقاً، هذا من ناحية أما من ناحيةٍ ثانية فيعمل على طمس كثير من الحقائق التي تصب خارج مصلحتهم وبشكل غير مباشر في مصلحة الإرهاب، فكثير من الإنجازات التى حدثت في العراق وسوريا وفي غير موقع سعت تلك الأبواق الإعلامية الى تحريف الوقائع مثل إتهام الحشد الشعبي في العراق بإفتعاله مجازر، فقط لأنه يحقق نصراً مع الجيش العراقي على حساب فلول الإرهابيين، أما الاعلام الاجنبي فله في كل موقع بصمة قذرة تحكي مدى الإزدواجية والإنفصام في المصداقية، فمثلاً تعتبر تنظيم بوكو حرام إرهابياً، أما النصرة في سوريا فتعتبرها غير ذلك، في حين انهما يحملان ذات الأيديولوجية والتوجه والفعل.
ومن يقرأ كيف استغل الإرهاب موضوع التفجيرات وجرائمه في الموصل يعلم أنه أخذ كثيراً من المناطق دون اي مقاومة تذكر، لا بل في مناطق محددة كانت فارغة من أهلها الذين تركوها خوفاً بسبب تهويل كثير من القنوات الإعلامية.
ونظراً لأهمية الإعلام سعت المنظمات الإرهابية أيضاً للدخول الى عالم التواصل الإجتماعي وكانت تنشر منتجاتها الإرهابية لتجذب أكبر عدد من المشاهدين وفي بعض الأحيان إيصال رسالتها المرجوة، وهنا ساعدتها العديد من القنوات الإعلامية العربية والأجنبية التي كانت تضخم من حجم تلك التنظيمات، فأعانتهم على الضحية نفسياً داسين السم في عسل كلامهم الإعلامي والهولييودي.
كيف تعامل الاعلام مع الارهاب؟
تعامل الإعلام في كثير من الأحيان مع الإرهاب على أنه حدث صحفي وفي مرات عديدة أداة لاستكمال مشروع الهيمنة والقتل النفسي، فلم يكن صانعو المنظمات الإرهابية في الخليج كالسعودية وقطر غائبين عن المشهد الإعلامي، لذلك كانت قناتا العربية والجزيرة من أكثر القنوات التي ساهمت في دعم المجموعات الإرهابية خاصةً في سوريا عندما كانت تسميهم بالثوار واستضافتهم وخصصت لهم فقرات وبرامج داعمة بشكل مباشر وغير مباشر، ولحقهم الإعلام الأجنبي الذي كان يخطو ذات الخطوات الخليجية ولكن في الداخل الاوروبي معتمداً على نشر مقاطع فيديو مركبة كما حصل إبان حرب غزة لتغيير الحقائق، او من خلال لعب دور المُهتم بالحريات الإعلامية التي أدت إلي نتائج عكسية كما حدث في فرنسا مؤخراً. فلقد أعطوا الإرهابين مساحةً واسعةً من التجاذبات الإعلامية التي ضخمت حجمهم الى حد دبّ الرعب في كل اوروبا، أما القنوات الإعلامية الأمريكية الكبرى في العالم فلم تكن بعيدة عن الحدث أيضاً، فخلال الحملة الشرسة على سوريا سعت تلك المنظومة الى تكريس وضع مفاده انه لا يمكن مواجهة تلك المنظمات، بالإضافة الى إمكانياتها العسكرية، وقد رافق ذلك حملة تضليل وإخفاء حقائق عن مدى عنصريته بعد طمس حادثة مقتل ثلاث طلاب على يد مواطن امريكي، اذاً ما الفرق بين همجية داعش وإرهاب العنصرية الأمريكية الا التغطية الإعلامية والتلاعب بعقول الناس بل كي الوعي والذي يصبح فيه الناس عبارة عن اشباه هياكل تساق الى ما تريده بعض وسائل الاعلام أي الى الانتحار الذاتي والنفسي.
اذاً ان الإرهاب ليس له وجه واحدٌ مقتصرٌ على القتل الجسدي، انما للإرهاب وجوه ٌعدة، يعتبر الإعلام واحداً منها حيث باستطاعته الولوج الى داخل المجتمعات بشكل ناعم، ليسلب الأمان ويزرع الخوف والكذب، ضارباً عرض الحائط الأخلاقيات الإعلامية والصحفية التي تبحث عن الحقائق وإيضاح الرؤية للمجتمعات في ما يجري من حولها.