الوقت- الباكستان وعلاقاتها مع الدول الخليجية إضافة إلى العلاقة مع أمريكا موضوع مثير للجدل، حيث يعتبر البعض أن الباكستان تستفيد من موقعها الجيوسياسي لتبتز الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية، والبعض الآخر يعتقد العكس فالسعودية والدول الخليجية إضافة إلى أمريكا وبسبب الاقتصاد الضعيف والوضع الأمني تفرض هذه الدول شبه هيمنة على القرار السياسي من خلال أساليب سنأتي على ذكرها في مقالنا.
فقد كشف رئيس حركة الإنصاف الباكستانية "عمر خان" أن ضغوطات تجري على حكومة نواز شريف بهدف منع باكستان من شراء الغاز الإيراني مقابل تسديد قروض مالية ضخمة.
ويضيف خان أن رئيس الوزراء الباكستاني قد تعهد بتنفيذ هذا الشرط من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذه الأقساط سيسددها الشعب الباكستاني، متهما نواز شريف بأنه يتربع على عرش الفساد الاقتصادي في البلاد.
يضيف خان متحدثا أمام آلاف من أنصاره في مدينة سيالكوت أن هذه القروض إضافة إلى قطع الغاز الإيراني تهدد الاقتصاد الباكستاني وتوقف عجلة الإنماء في البلاد، وتؤدي إلى زيادة الضرائب على الشعب من أجل تسديد الفوائد المرتفعة التي توضع على هذه القروض. كما أن هذه القروض تشكل خطرا على حرية القرار السياسي الباكستاني.
وحول الفساد لا يختلف اثنان أن هذا الأمر بات في مرحلة مقلقة للغاية، فالفساد يعم المؤسسات الحكومية بكامل فئاتها، كما لا يختلف أحد أن استمرار هذه المعضلة من المؤكد أنه سيزيد من الوهن الاقتصادي وبالتالي السياسي الباكستاني، وتعليقا على هذا الأمر من الجيد الإشارة إلى بعض الأمور لنخلص إلى النتيجة المطلوب استخلاصها من كلام عمر خان.
بداية وبالعودة إلى سبعينيات القرن الماضي حينما دفع الرئيس الأمريكي في حينها جيمي كارترالسعودية باتجاه تعزيز علاقاتها مع باكستان، اعتمدت السعودية وسائل كثيرة من قبيل المساعدات المالية، تقديم القروض، بيع النفط والغاز بأسعار مخفضة إضافة إلى استثمارات اقتصادية ضخمة... كلها كانت عبارة عن أساليب لزيادة نفوذها في الداخل الباكستاني وخاصة على الساسة وقادة الجيش والأجهزة الأمنية الذين عودتهم السعودية على تقديم الهدايا والعطايا الثمينة من قبيل الفيلات الفخمة في الداخل والخارج (تقديم فيلا لبرويز مشرف في لندن)، كما حمت السعودية بعض السياسيين الفارين من الداخل على أرضها (نواز شريف) وأمثلة كثيرة أخرى من هذا القبيل.
طبعا ليست السعودية الوحيدة التي استخدمت هذه الوسائل مع الساسة الباكستانيين، بل قطر وأمريكا ودول أخرى أيضا كان لها حظ كبير في هذه المسألة. وهنا من الجيد الإشارة إلى أن قطر إضافة إلى السعودية هي من المصادر الأساسية التي تزود باكستان بالغاز السائل. ولذلك فإنها متهمة أيضا بأنها وراء هكذا طروحات.
أما موضوع شراء الغاز الإيراني وبالعودة إلى تاريخ المشروع الموسوم بأنبوب السلام، فهو مشروع بدأ الحديث عنه منذ تسعينيات القرن الماضي، وقد تم تأجيله لأكثر من مرة من قبل الطرف الباكستاني بحجج مختلفة كان من الواضح أنها بسبب الضغوطات السياسية والاقتصادية التي مارستها أمريكا وبعض الدول العربية على رأسها السعودية وقطر.
كل هذه الملاحظات تؤكد وجود ارتباط وثيق ومباشر بين السياسة السعودية اتجاه باكستان، وتعطيل مشروع أنبوب السلام، كما تؤكد أن مصدر الفساد في النظام الحاكم إنما جاء بتشجيع سعودي وخليجي مباشر وبمباركة أمريكية.
خلاصة
على الرغم من أن البعض يعتبر هذه التصريحات الصادرة عن "عمر خان" قد لا تكون دقيقة، وهي ضمن سياق الاتهامات بالفساد الذي يحاول خان مواجهته في باكستان، إلا أن هذه التصريحات ومع الأخذ بعين الاعتبار الظروف السياسية المحيطة بالمنطقة، والمرحلة الطويلة من المد والجزر الذي واجه مشروع أنبوب السلام، إضافة إلى طريقة دول الخليج وعلى رأسها السعودية في شراء الذمم وتجيير دولاراتهم النفطية وخاصة في هذه المرحلة في خدمة مكافحة ما يسمونه بالعدو الإيراني. فإن ما صدر عن خان ليس مستبعدا عن هذه الدول وخاصة السعودية.
يُذكر أن السعودية وخلال الفترة الأخيرة، وبُعيد بدأ عدوانها على اليمن حاولت كثيرا أن تُقحم باكستان بشكل مباشر في العدوان، وإلى اليوم تمكنت الباكستان من تحاشي هذا الأمر على الرغم من تماهيها مع الموقف السعودي بشكل عام. وخبر تعيين الجنرال رحيل شريف على رأس قوات التحالف السعودي ليس خارجا عن هذا السياق من محاولة توريط باكستان في مأزق نأت عنه منذ بدايته.
ختاما لا بد من توجيه بضع كلمات للقيادة والشعب الباكستاني، فمن المعيب حقا على دولة يزيد عدد سكانها عن المئة مليون، ولديها من الطاقات البشرية والعلمية والموارد الطبيعية ما يكفي لتكون في مصاف الدول المتقدمة في العالم أن ترهن نفسها لأشباه الدول وتصبح تابعة لسياسات صبي كمحمد بن سلمان، لأن هكذا أمر سيؤدي بالباكستان لتصبح مصداق بارز للدولة الرهينة والعاجزة أمام ديون وقروض بمليارات أراد مقدموها توريط الشعب الباكستاني بما يعجز عن سداده.