الوقت- هو سياسي إنكليزي مثير للجدل، وليس من المبالغة القول أنه من أبرز الأسماء التي حفظها العالم من بين الساسة الانكليز في العقدين الماضيين من الزمن، خاصة أنه تولى رئاسة الحكومة البريطانية لعقد من الزمن بين أعوام 1997 و2007. إنه طوني بلير الشخصية المثيرة للجدل يحاول اليوم العودة إلى الحياة السياسية عبر طرح رفض الانفصال عن الاتحاد الأوروبي أو ما سُمي بالبركسيت.
فقد أعلن بلير وفي مقابلة له مع صحيفة "ديلي ميرور" منذ أيام عن نيته العودة إلى الحياة السياسية من أجل الوقوف في وجه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو ما يُعرف بالبركسيت، وأكد في المقابلة بأن عودته ستترافق مع الكثير من الانتقادات من داخل الحزب العمالي والأحزاب الأخرى ولكن للبريطانيين الحق بإعادة التفكير بالخروج من الاتحاد الأوروبي من عدمه.
وفي مقابلة أخرى مع صحيفة شبيغل الألمانية، فقد أكد على المخاوف من سريان مفعول البريكست على كافة الدول الأوروبية، معتبرا أن هذا الأمر خطير ويجب إعطاء الفرصة للشعب البريطاني لإعادة التفكير بالأمر. وهو يجد نفسه مجبرا للعودة مجددا إلى السياسة و"تلطيخ يديه" من أجل الوقوف في وجه هذا الأمر.
طوني بلير الذي تولى زعامة الحزب العمالي البريطاني بين سنوات 1994 و2007، يسعى اليوم وبحجة البركسيت إلى العودة إلى الأضواء ، أمام واقع يقول أنه ضعيف جدا داخل حزبه، خاصة أنه كان قد سعى وبقوة مع بعض من قيادات الحزب العمالي لمنع وصول جيرمي كوربين إلى رئاسة الحزب، ولكن الأخير تمكن من الوصول بنسبة أصوات مرتفعة، وهذا الأمر أدى بالسياسي البريطاني المخضرم (أي بلير) للانزواء داخل حزبه، الذي يعبر عنه بلير بأنه يمر في مرحلة مؤسفة للغاية.
وبالعودة إلى موضوع البركسيت، وعن طريقة مواجهة هذا الأمر فقد أعلن بلير عن نيته تأسيس حركة سياسية من أجل نشر مقولة رفض البركسيت، مهددا من أخطار سريان فكرة البركسيت على كافة الدول الأوروبية.
يدعي رئيس الوزراء البريطاني السابق أن من حق البريطانيين التفكير مجددا بخيار الخروج أو البقاء في الاتحاد الأوروبي. هنا يطرح بعض الساسة الانكليز والأوروبيين سؤالين، الأول هل الظروف مؤاتية لإجراء استفتاء جديد داخل بريطانيا؟ والثاني هل من الممكن إيقاف عجلة المفاوضات التي بدأت بين الحكومة البريطانية من جهة والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى؟ أسئلة يقول بلير نفسه إذا سألت 1000 بريطاني اليوم عنها فسيجيبك بالنفي.
فعلى رغم أن الكثير من الدول الأوروبية غير راضية عن القرار البريطاني إلا أن الجميع يعلم أن هذا القرار قد اتخذه الشعب البريطاني من خلال استفتاء غير قابل للرجعة.
أما خطوة بلير وعلى رغم الحديث عن ازدياد الشريحة المعارضة للبريكست داخل بريطانيا، إلا أنها خطوة تهدف لجذب أنظار هذه الفئة من خلال خطاب يخالف معظم التيارات السياسية الموجودة في البلد. فالأمور وضعت على السكة والخروج من الاتحاد الأوروبي بات مسألة وقت فقط. لذلك إن أي تراجع عن هذا القرار سيؤدي بالطبع إلى التهاب الشارع البريطاني مجددا، وسيؤدي إلى صدامات، أوروبا وبريطانيا بغنى عنها.
الحقيقة أن بلير يود استعادة زعامة حزب العمال، وحقيقة أن كوربين يتزعم هذا الحزب ونفوذ الأخير داخل العماليين قد أيأسه من إمكانية العودة. لذلك يجد نفسه بحاجة إلى تشكيل تيار سياسي جديد يشكل رافعة ومنبر له حاليا.
طبعا عودة بلير إلى الحياة السياسية البريطانية، سيكون له ردة فعل حزبية داخلية تسعى لاحتواءه واحتواء الحراك الذي يصبو إليه، كما أن حزب المحافظين لن يكون مشجعا لهذه العودة وهذا الدور الذي يود لعبه. فعلى الرغم أن الحزبين الرئيسين في بريطانيا أي العمال والمحافظين لديهم مخاوفهم من البريكست إلا أنهم يرفضون أي توتير للشارع في هذه البرهة بالذات.
ختاما وللتذكير فإن طوني بلير الذي شمر عن ساعديه لتلطيخهما كان قد لطخ يديه سابقا بالحرب على العراق، وهي الإرث الأهم الذي تركه بعد تنحيه عن رئاسة الوزراء، حيث شارك مع الأمريكيين بغزو العراق عام 2003، غزو لا زال العراق ودول المنطقة إلى اليوم يعاني من آثاره وويلاته التي خلفها في المجتمع العراقي، إضافة إلى الجماعات الإرهابية التي وُلدت من رحم هذا الغزو والتي تتآكل بلادنا العربية اليوم.