الوقت - على الرغم من الخسائر الكبيرة التي مني بها تنظيم "داعش" الإرهابي على يد القوات السورية والعراقية وحلفائهما لاسيّما روسيا وإيران ومحور المقاومة وفقدانه لكثير من المناطق التي كانت تحت تصرفه خصوصاً خلال الشهور الأخيرة إلاّ أن هذا التنظيم لازال يواصل نشاطاته غير العسكرية لاستقطاب عناصر جديدة وضمهم إلى صفوفه لغرض مواصلة عملياته الإرهابية في مختلف أنحاء العالم ومن بينها القارة الأوروبية وأمريكا.
ويسعى "داعش" إلى الاحتفاظ بما تبقى لديه من مناطق محتلة في العراق وسوريا من خلال الاعتماد على العناصر الأجنبية التي جلبها من أكثر من 80 دولة من مختلف أرجاء العالم.
كما يسعى هذا التنظيم الإرهابي إلى إرسال بعض عناصره إلى الكثير من البلدان لنشر أفكاره المتطرفة في أوساط شعوبها مستفيداً من حالة الفراغ الأمني أو التدهور الاقتصادي والاجتماعي أو التخلف الثقافي الذي تعاني منه هذه البلدان.
وتشير الحوادث الإرهابية التي وقعت في العديد من الدول في الآونة الأخيرة إلى أن "داعش" يعتمد استراتيجية جديدة للحفاظ على وجوده من خلال التنسيق مع "الخلايا النائمة" الموالية له في تلك الدول.
ومن الأساليب الأخرى التي يعتمدها هذا التنظيم الإرهابي لنشر أفكاره المتطرفة إثارة النعرات الطائفية بين أبناء المجتمع الإسلامي من خلال العناصر السلفية والتكفيرية التي يرسلها إلى مناطق مختلفة من العالم الإسلامي، مستفيداً من النزاعات والأزمات التي تشهدها العديد من الدول في الوقت الحاضر كما يحصل في اليمن.
وتتمحور نشاطات "داعش" الإعلامية في المرحلة الراهنة على بثّ أيديولوجيته المنحرفة والتي تتضمن الترويج للعنف في الدول التي يتمكن من اختراقها بشتى الوسائل.
وعلى الرغم من الأفكار السطحية والبائسة وغير المنسجمة لهذا التنظيم إلاّ أن المعطيات المتاحة تشير إلى أنه تمكن من ضمّ الكثير من العناصر الجديدة إلى صفوفه والتي يغلب عليها طابع الجهل بحقيقة هذا التنظيم، والتي يتم التغرير بها لتنفيذ عمليات إجرامية عن طريق الوعود الكاذبة والعقائد الباطلة والفارغة التي يروج لها بعض العناصر المتسترة بلباس الدين، والدين منها براء.
ويستهدف "داعش" من خلال ترويجه لهذه الأفكار تحقيق عدّة أهداف في آن واحد من بينها إظهار نفسه على أنه لازال قوياً ويتمتع بنفوذ واسع في حين تؤكد جميع الأدلة والقرائن على أنه بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة بفعل الضربات الماحقة التي تلقاها على يد القوات العراقية والسورية ومحور المقاومة في عموم المنطقة.
ولازال تنظيم "داعش" يكرر نفس الأسطوانة القديمة التي يزعم من خلالها بأنه يسعى لتشكيل ما يسمى بـ "دولة الخلافة". وتمكن هذا التنظيم من خلال وسائل إعلامه من خداع الكثيرين بتظاهره بالإسلام، لكن التجارب أثبتت بما لايقبل الشك بأنه بعيد كل البعد عن تعاليم الدين القيّمة ومبادئه السامية.
كما سعى هذا التنظيم المتطرف إلى توظيف مواقع التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية بشكل عام لترويج أفكاره، إلى جانب بثّه للعمليات الإجرامية التي يرتكبها عناصره والتي تتميز بالقسوة والوحشية من أجل نشر الرعب في قلوب الناس الذين اضطر الكثير منهم لمغادرة أراضيه وترك ممتلكاته للتخلص من بطش هذا التنظيم.
وسخّر "داعش" مجموعة من الوعّاظ والمنظرين والذين يعيش معظمهم بعيداً عن أماكن تواجد هذا التنظيم، للترويج لأفكاره التي تهدف إلى تكريس النعرات الطائفية في أوساط الأمة الإسلامية وتبرير العمليات الشنيعة التي يرتكبها عناصره في المناطق التي يحتلونها ويستبيحون دماء أبنائها وينتهكون أعراض نسائها تحت يافطة ما يسمى بـ "جهاد النكاح" وما شابه ذلك من أفعال لاتمت للإسلام وتعاليمه القيّمة بصلة.
ولمواجهة هذه الهجمة الشرسة التي يشنها "داعش" على كافة الأصعدة لابدّ من اتخاذ خطوات عملية من بينها السعي لغلق كافة مواقعه على شبكة الإنترنت لمنعه من الاستفادة منها في بث سمومه وانحرافاته التي يرمي من خلالها إلى خداع أكبر عدد من الشباب خصوصاً في الدول الفقيرة والتي تعيش أزمات داخلية والتي تعشعش فيها الأفكار السلفية الضالة والمجاميع التكفيرية التي تبيح إراقة دماء الآخرين وهتك أعراضهم لمجرد الاختلاف معها فكرياً أو ثقافياً أو منهجياً والتي لم يسلم منها حتى الكثير من المقربين منهم بسبب التزمت والجهل والعقلية القمعية التي لا تطيق رؤية الآخر الذي يطمح لتحقيق إنسانيته والعيش بأمان وطمأنينة في ظل الاعتدال والتحرر من كل ما من شأنه أن يسيء للإنسان ويحجم فكره وطاقاته ويعبث بمصيره ومقدراته.
كما لابدّ من إسكات الأصوات النشاز التي تطبل لأفكار "داعش" خصوصاً بين الأوساط المحسوبة على المسلمين، والتنسيق مع الدول الأوروبية التي تستضيف لاجئين من دول أخرى لمنع تكاثر الخلايا النائمة التي يستفيد منها "داعش" لتنفيذ عملياته الإجرامية.