الوقت- يبدو أن الأزمة الدبلوماسية بين ألمانيا والكيان الإسرائيلي وصلت إلى حد أبعد من كونها أزمة عابرة يمكن ترميمها بمرور الوقت. ولا يلوح بالأفق أي بوادر حل أو تنازل إسرائيلي لإعادة المياه إلى مجاريها الطبيعية. وقد يكون السبب هو الاعتقاد والثقة التي يشعر بها نتانياهو بسبب الدعم الأمريكي الغير مسبوق الذي تؤمنه له إدارة دونالد ترامب.
وبالعودة إلى الأزمة الدبلوماسية مع ألمانيا، فقد أكدت صحيفة هآرتس البارحة ونقلا عن مصادر رسمية وصفتها برفيعة المستوى، أن الأزمة خطيرة وتتعلق بسياسة الكيان اتجاه الفلسطينيين. ويبدو أن مفاعيل الأزمة بدأت تتزايد فنقلا عن مسؤولين كبار في الخارجية الإسرئيلية، ألمانيا لم تكتفي بعدم المساعدة في إحباط قرار اليونيسكو ضد إسرائيل فحسب، بل عملت وبالتعاون مع الدول العربية على تمرير هذا القرار.
أما عن الأسباب التي دفعت العلاقات بين البلدين إلى هذه المرحلة من التوتر فتعود بداية الأمر إلى القانون الذي صوبه الكنيست الإسرائيلي والذي يسمح للحكومة بموجبه بتسوية الوضع القانوني لمستوطنات أقيمت على أراض فلسطينية، ضمن ما عرف بقانون سرقة الأراضي وتشريع الاستيطان.
إزاء هذا الأمر قامت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بإلغاء اللقاء الحكومي السنوي بين الطرفين والذي كان مقررا في العاشر من أيار مايو الحالي، بعد لقاء جمعها بنتانياهو ونصف حكومته في برلين وادعاء نتانياهو في حينها أن ميركل قد تخلت عن فكرة حل الدولتين وما تبع ذلك من تكذيب صريح لأقوال نتانياهو هذه.
أوروبيا أيضا وبدفع ألماني وجه البرلمان الأوروبي خلال اجتماعه في مدينة ستراسبورغ الفرنسية صفعة للكيان الإسرائيلي بإدانته القرار الذي يشرع مستوطنات أقيمت على أراضي فلسطينية خاصة.
هذه التطورات رفعت مستوى التوتر بين الطرفين، وفي المقابل أصر رئيس حكومة الكيان على الاستمرار في لعبته حتى النهاية، مدعوما من مواقف أمريكية مشجعة، حتى وصل به الأمر إلى حد إلغاء لقاءه مع وزير الخارجية الألماني سيغمارغابرييل خلال زيارة الأخير للمنطقة الأسبوع الماضي. هذه الخطوة جاءت على خلفية اللقاء الذي كان مقررا للوزير الألماني مع منظمتي "كسر الصمت" و"بتسليم" الحقوقيتين المناهضتين للاستيطان ولانتهاكات جيش الكيان بحق الفلسطينيين. طبعا تبع هذه الخطوة الإسرائيلية رد فعل ألماني قوي، حيث أنهى الوزير زيارته بعد لقائه المنظمتين ودون لقاء نتانياهو حتى أنه رفض الرد على اتصال هاتفي أراد نتانياهو شخصيا وحسب مسؤولين إسرائيليين توضيح الأسباب التي حالت دون اللقاء به.
للإشارة فإن رئيس وزراء بلجيكا وخلال جولته الأخيرة في المنطقة التقى بممثلين عن المنظمتين نفسيهما، وقد لاقى هذا الأمر اعتراضا إسرائيليا، تمثل بجلب السفير البلجيكي وتوبيخه على خلفية هذا الأمر الذي يعتبر مسألة داخلية وتدخل بالشؤون الإسرائيلية.
يذكر أنه وقبل وصول العلاقات إلى ما وصلت إليه كان قد حذر نوربرت روتجن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني من النزعة العنفية (إذا صح التعبير) لدى إسرائيل في حل مشاكلها، مؤكدا أن عدم الوصول إلى تسوية في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني يشكل تهديدا بعيد المدى لإسرائيل.
ويضيف روتجن هناك علاقات عميقة بين برلين وتل أبيب ولكن الملاحظ أن هناك خلافات في الرأي، خاصة أن إسرائيل تستغل الوضع المتأزم في المنطقة لحرف الأنظار عن الصراع مع الفلسطينيين، وباتت تعتمد على قوت جيشها وشرطتها في حل الأمور دون الأخذ بعين الاعتبار وجهات النظر الدولية الموجودة.
أما عن الأسباب التي دفعت بنتانياهو إلى الخوض للنهاية في لعبة التحدي لحليفه الأهم أوروبيا، فهي نزعته لاستغلال أي موقف سياسي دولي من أجل تأمين رافعة شعبية له وسط ارتفاع ملحوظ في الصراع الداخلي الإسرائيلي على الشارع اليميني المتطرف. لذلك يعتبر نتانياهو أن هكذا خطوات، وحتى لو أضرت سياسيا بإسرائيل فإنها تنفعه شعبيا وانتخابيا.
الأمر الآخر الذي يجعل من نتانياهو أكثر جرأة على خوض لعبة حافية الهاوية، هو الدعم الأمريكي وخاصة الترامبي المطلق لإسرائيل ولشخص نتانياهو. وهذين الأمرين وضعاه في موقف انتقاد داخلي من الأطراف المنافسة له.
أما المسألة الأكثر أهمية من الأمرين السابقين، وهو الذي يطمأن نتانياهو إلى أن العلاقات ومهما اشتدت الأزمة لا يمكن أن تصل إلى طلاق. والشواهد كثيرة على ذلك فنفس الوزير الألماني المُهان أكد التزامه مرارا وتكرارا بالعلاقة مع الكيان الإسرائيلي، كذلك المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. والسبب أن إسرائيل ربيبة أوروبا والغرب بشكل عام، وبالنسبة إلى ألمانيا بالتحديد فقصة الاستغلال التاريخي لكذبة الهولوكوست لا زالت تجري مجراها ولا زالت برلين تقدم سنويا مساعدات بمئات الملايين من اليوروات كصكوك غفران لحادثة مشكوك بوقوعها بالأصل.