الوقت - بعد الهجوم الأخير الذي شنته حركة طالبان على مركز للجيش الأفغاني في ولاية بلخ قبل عدة أيام وأدى إلى مقتل 140 عسكرياً على الأقل وجرح آخرين، والذي يعد أكبر هجوم تتعرض له المؤسسة العسكرية الأفغانية خلال السنوات العشر الماضية، برزت تساؤلات حول أسباب هذا التدهور الأمني والعوامل التي تقف وراءه والتي أجبرت وزير الدفاع "عبد الله حبيبي" ورئيس أركان الجيش "قدم شاه شاهيم" على الاستقالة، فيما قرر الرئيس الأفغاني "أشرف غني أحمد زي" إجراء تغييرات واسعة في صفوف الجيش لاسيّما في أوساط القادة.
في هذا المقال نشير إلى أبرز هذه العوامل:
- الفساد الإداري
يعتقد المراقبون بأن الفساد الإداري هو العامل الأكبر الذي أدى إلى خلخلة تماسك الجيش الأفغاني والمؤسسة العسكرية بشكل عام في هذا البلد والتي باتت عاجزة حتى عن توفير الحماية لنفسها فضلاً عن عجزها في توفير الأمن لحدود وأراضي البلاد ضد هجمات الحركات والجماعات الإرهابية والمسلحة ومن بينها حركة طالبان. وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن الجيش الأفغاني لا يسيطر عملياً سوى على نحو 58 بالمئة من الأراضي الأفغانية فيما تسيطر الجماعات المسلحة وخصوصاً طالبان على باقي الأراضي.
والسبب الإداري الآخر الذي ينخر بجسم المؤسسة العسكرية الأفغانية هو شراء المناصب العليا في هذه المؤسسة من قبل الأشخاص المتنفذين والمتمكنين مادياً. كما أن الكثير من مسؤولي الجيش يفتقدون إلى الثقافة اللازمة لإدارة شؤون هذه المؤسسة إلى جانب الخيانات التي يرتكبها بعض هؤلاء المسؤولين من خلال بيع أسلحة الجيش إلى عناصر طالبان وباقي الحركات التي تعبث بأمن البلاد.
وهناك عامل إداري آخر أدى أيضاً إلى خلخلة صفوف الجيش ويتمثل بوجود آلاف العناصر الذي يستلمون الرواتب والمخصصات المادية لكنهم لا يتواجدون فعلياً في ميدان الخدمة، أو يفضلون الهروب في أول فرصة خصوصاً عندما تتعرض مقراتهم إلى هجوم مسلح من قبل الجماعات المعارضة.
- النزعة القومية أو العرقية
يتألف الجيش الأفغاني من قوميات وطوائف كثيرة تتنافس فيما بينها للاستحواذ على مقدرات هذه المؤسسة المهمة. وقد أدى هذا التنافس إلى انعدام التوازن في أوساط القوات المسلحة الحكومية، خصوصاً وأن توزيع الصنوف والمراتب المختلفة لا يخضع لقوانين صارمة ولا ينسجم مع المتطلبات الجغرافية التي يقتضيها عمل هذه القوات وطريقة انتشارها في كثير من الأحيان.
ويهيمن أتباع بعض القوميات كـ "التاجيك" على مراكز قيادية مهمة في الجيش وبشكل لا يتناسب مع الكثافة السكانية لهذه القومية على خلاف القوميات الأخرى كـ "الهزارة" التي لا تتمتع بنفوذ يتناسب مع حجمها داخل المؤسسة العسكرية. وقد أوجد هذا التقسيم غير المتوازن حالة من انعدام الثقة بين صفوف قادة الجيش وأدى ذلك بالتالي إلى عدم تمكن هذه المؤسسة من أداء واجبها بالشكل الصحيح الذي يحفظ أمن واستقرار وسيادة البلاد.
- الخلافات العميقة بين القادة الأفغان والقوات الأجنبية
من المعلوم أن الجيش الأفغاني تأسس بعد سقوط نظام حركة طالبان عام 2001 على يد القوات الأمريكية وباقي قوات حلف شمال الأطلسي "الناتو" وهذا الأمر أدى إلى عدم قناعة القادة العسكريين الأفغان باتباع أوامر القوات الأجنبية التي تسعى لتحقيق مصالح بلدانها وليس مصلحة أفغانستان، وهو ما ساهم بدوره بانعدام التنسيق بين الجانبين إلى درجة أن القادة الأجانب باتوا يعتمدون بدرجة أكبر على الشرطة الأفغانية في تنفيذ المهام العسكرية التي لا تتناسب مع إمكانات هذه المؤسسة المكلفة أساساً بحفظ الأمن الداخلي وليس الدفاع عن الحدود والمناطق الواسعة التي تتواجد فيها المليشيات المسلحة كـ "طالبان" والجماعات الأخرى المتعاونة معها.
- انعدام البرامج والخطط السليمة لمواجهة التحديات الأمنية
يفتقد الجيش الأفغاني للبرامج والخطط السليمة الكفيلة بمواجهة التحديات الأمنية خصوصاً فيما يتعلق بالتصدي للتنظيمات المسلحة، ويعود السبب في ذلك إلى أن قوات "الناتو" التي تقودها أمريكا كانت قد بنت هذه المؤسسة على أسس لا تتناسب مع عقيدة الشعب الأفغاني ولا تتلاءم مع المصالح والأهداف العليا للبلد، الأمر الذي أدى إلى فقدان السيطرة على هذه المؤسسة وجعلها بالتالي عرضة لتكبد خسائر كبيرة في الأرواح كما حصل في الهجوم الأخير في مزار شريف بولاية بلخ. ويعتقد الكثير من المحللين بأن هذا الهجوم حصل بسبب ضعف الأجهزة الأمنية والاستخبارية داخل الجيش، فيما يعتقد آخرون بأن بعض العناصر الموالية لطالبان والمندسة في صفوف الجيش هي التي مكنت طالبان من تنفيذ هذا الهجوم.
خلاصة القول إن الجيش الأفغاني يمكن أن يتعرض لمزيد من الهجمات الدموية ما لم تسارع الحكومة الأفغانية بوضع أسس سليمة لبناء هذه المؤسسة الحيوية بعيداً عن نفوذ وهيمنة القوات الأجنبية، واختيار الأشخاص اللائقين لهذه المهمة والابتعاد عن توزيع المناصب العسكرية وفق الانتماءات العرقية أو الطائفية، وكذلك وضع برامج صحيحة تتناسب مع دور الجيش في الدفاع عن وحدة الأراضي الأفغانية وسيادة البلد أمام أي تهديد داخلي أو خارجي.