الوقت- بعد قطيعة دامت عدّة أشهر، يزور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الرياض لعقد قمّة مشتركة مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز.
الزيارة التي جاءت نتاجاً للقاء الذي حصل على هامش أعمال الدورة الـ28 للقمة العربية في البحر الميت بالأردن، محطّ أنظار الكثيرين، نظراً للنتائج المرتقبة.
واللافت أن الزيارة المصرية تأتي بعد قطيعة، لم تسلم منها شعرة معاوية حيث استنفذ فيها كل طرف آلته الإعلاميّة الضخمة في الهجوم على الطرف الآخر وتعريته أمام العالم، ما دفع بالكثيرين للقول بأنها قطيعة دون رجعة، ولكن كل شيئ قد يحصل في عالم السياسة.
ويبقى السؤال الأهم يتعلّق بردم الهوّة بين الطرفين خاصّة أن تجربة الأشهر الماضية أثبتت أن الخلافات المصرية السعوديّة هي خلافات جذرية وأساسيّة لم يمكن معالجتها بسهولة حيث استحضر كل طرف خلافات ضربت أطناب التاريخ في الصراع الشديد بين الرئيس الراحل جمال عبدالناصر والملك فيصل بن عبدالعزيز.
يبدو واضحاً أن كل طرف يحمل في جعبته جملة من الملفات التي سيحاول كسبها، وفي حين تسعى مصر للحصول على النفط السعودي والدعم الاقتصادي من الرياض، ستحاول الأخيرة الضغط على مصر للحصول على جزيرتي تيران وصنافير، فضلا عن محاولة الرياض جرّ مصر إلى حيث تريد في اليمن، إضافةً إلى تحييدها عن أي دور إيجابي تجاه سوريا.
تيران وصنافير
تعدّ مسألة تيران وصنافير من أعقد الأمور بين الطرفين، خاصّة أنّها كانت الشرارة التي قصمت ظهر العلاقة بين الطرفين. ولكن بعد لقاء السيسي مع سلمان على هامش قمّة "البحر الميّت"، أصدرت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، حكماً بإسقاط حكم الإدارية العليا والذي قضي ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية والتي كانت بموجبها ستنتقل جزيرتا تيران وصنافير للسعودية.
لسنا في وارد الدخول في الجدل القانوني حول قرار محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، باعتبار أن كثيرون وجدوا في ما حصل سيناريو من قبل السيسي للعب مجدّداً على الحبال الاقتصاديّة السعوديّة، وخاصّة أن " محكمة القاهرة للأمور المستعجلة" ليست الجهة المخوّلة بهذا الأمر، فضلاً عن عدم قدرتها دستوريّاً على إسقاط حكم الإدارية العليا.
يرى مراقبون في الشأن المصري أن السيسي سيسعى للحصول مجدّداُ على الدعم الاقتصادي السعودي، إلا أن النهاية لن تكون مختلفة عما حصل في المرّة السابقة، وهذا ما قد يدفع بالرياض لعدم وضع كل بيضها في سلّة واحدة.
الملف اليمني
الملف الآخر الذي لا يقلّ أهميّةً عن تيران وصنافير بالنسبة للسعوديّة هو الملف اليمني، حيث تسعى الرياض للخروج من المستنقع الذي دخلته قبل أكثر من عامين. السعوديّة التي فشلت في جذب مصر وباكستان سابقاً، تسعى اليوم للخروج من هذا المأزق منتصرةً باعتباره أنّه يحمل ارتدادات داخليّة تتعلّق بمستقبل الحكم بين بن نايف وبن سلمان، وأخرى خارجيّة.
بدا سريعاً التوجّه السعودي لجذب مصر نحو اليمن عبر "بالون اختبار" وهو التصريح الذي خرج به اللواء أحمد عسيري المتحدث باسم قوات التحالف الذي ادّعى أن "مصر سبق أن عرضت على السعودية والتحالف إرسال قوات برية إلى اليمن تتراوح بين 30 ألفا و40 ألف جندي"، ليتراجع لاحقاً عن ذلك مؤكّداً أن ما طرحته مصر خلال بحث مقترح تشكيل القوة العربية المشتركة، ولا علاقة له بموضوع المشاركة في اليمن.
يبدو أن التراجع السعودي جاء بعد مطالبة مصرية تكشف الردّ المسبق لأي طلب سعودي حول خوض الجيش المصري حربا بالوكالة. ولكن، نعتقد أن السيسي لن يجزم بإجابته، سواء في تيران وصنافير أو الملف اليمني بغية تمرير أهدافه الاقتصاديّة، فربّما يعد الرياض خيراً، إلاّ أن هذا الخير سيكون بتجنيب الجيش المصري حرباً لا ناقة له فيها ولا جمل، خاصّة أنّه معرّض للاستنزاف في سيناء من الجماعات التكفيرية، وجماعة الإخوان المسلمين تنتظره عند أوّل مفترق طريق سياسي تجعله مأخذا داخلياً.
النتيجة
هناك محاولات سعوديّة لكسب الحدّ الأقصى من هذه الزيارة، ربّما تفشل السعودية في الحصول على ضمانات من الرئيس السيسي حول تيران وصنافير، وربّما يتذرّع السيسي بالأمن المصري للتهرب من مسألة اليمن، إلا أن مراقبين يعتقدون أن تعمد السعودي لوضع الرئيس المصري بين خيارين بغية تأمين أي مطالب اقتصاديّة له: إما تسليم تيران وصنافير أو التدخل البرّي في اليمن.
نعتقد أن السعوديّة ستعمد إلى سياسة خطوة بخطوة، وقد بدأت ملامحها فعلاً من اللقاء في البحري الميت، ولاحقاً إثر قرار من محكمة الأمور المستعجلة، لتقابل السعودية "حسن النيّة" المصريّة باستئناف شحنات منتجات بترولية كانت السعودية وافقت في 2016 على إمدادها بها لمدة خمس سنوات لكنها أوقفتها في أوائل أكتوبر/تشرين الأول.
نرى أنّ الهوّة بين البلدين كبيرة جدّاً، خاصّة أن السيسي غير قادر على تحمّل تبعات بيع أرضه، أو بيع الجيش المصري، وفي كلا الحالتين لن تحصل السعوديّة على مبتغاها، فهل ينجح السيسي في الحصول على مبتغاه؟ وهل سنكون أمام زيادة التصدّع بدل رأب الصدع؟