الوقت - قبل نحو أسبوعين أصدر محافظ مدينة "كركوك" العراقية "نجم الدین کریم" أمراً برفع علم إقليم كردستان العراق فوق المباني الحكومية في المحافظة إلى جانب العلم العراقي، ما أدى إلى اندلاع موجة جديدة من الخلافات السياسية بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية في بغداد.
وجاءت هذه التطورات في وقت لازال فيه موضوع كركوك لم يحسم بعد على الرغم من القرارات التي اتخذها البرلمان العراقي منذ عام 2005 وحتى الآن، والمواد القانونية التي أقرها الدستور العراقي في نفس العام ومن بينها المادة 140 بشأن المناطق التي تقع خارج إطار إقليم كردستان أو ما يعرف بـ "المناطق المتنازع عليها".
وتحظى محافظة كركوك بأهمية خاصة في العراق، فهي بالإضافة إلى كونها غنية بالنفط يصفها بعض المراقبين بأنها "عراق مصغّر" لأنها تضم كافة قومياته وطوائفه لاسيّما العرب والأكراد والتركمان من الشيعة والسنّة.
وتنص المادة 140 على:
أولاً. تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، بكل فقراتها.
ثانياً. المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية، والمنصوص عليها في المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، تمتد وتستمر إلى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب الدستور , على أن تنجز كاملة (التطبيع، الإحصاء، وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها، لتحديد إرادة مواطنيها) في مدة أقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الأول سنة ألفين وسبعة.
ورغم انتهاء المدة القانونية لازالت هذه المادة لم تنفذ حتى الآن. ومما زاد في صعوبة تنفيذها هو الخلافات السياسية المتواصلة بين ممثلي المكونات الاجتماعية الأساسية في المحافظة؛أي العرب والأكراد والتركمان.
وتفاقمت هذه الأزمة بعد احتلال تنظيم "داعش" الإرهابي لأراضي واسعة من محافظة كركوك في حزيران/يونيو 2014. حيث تمكنت قوات البيشمركة التابعة لإقليم كردستان من استعادة الكثير من هذه المناطق وإلحاقها فيما بعد بالإقليم دون موافقة الحكومة المركزية في بغداد.
واستفادت القيادة الكردية من تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية في العراق طيلة السنوات الماضية لتفسير المادة 140 من جانب واحد والعمل بموجب هذا التفسير دون التنسيق مع الحكومة المركزية في بغداد لفرض ما يعرف بـ "سياسة الأمر الواقع".
ويرى بعض المحللين بأن رفع علم إقليم كردستان على المباني الحكومية في كركوك هو بمثابة إعلان السيطرة الكاملة على المحافظة من جانب الأكراد رغم اعتراض الحكومة المركزية والمكونات الأخرى في المحافظة لاسيّما العرب والتركمان.
ورفض ممثلو العرب والتركمان حضور جلسة مجلس محافظة كركوك لمناقشة هذا الموضوع مع ممثلي المكون الكردي، باعتباره مخالفاً للدستور العراقي.
وبسبب هيمنة الأكراد على معظم المفاصل الإدارية والسياسية لمحافظة كركوك يبدو أن موضوع رفع علم إقليم كردستان على المباني الحكومية لهذه المحافظة سيحسم لصالح الأكراد في نهاية المطاف ما لم يتدخل البرلمان العراقي لوضع حد لهذه الأزمة.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتخذ فيها الأكراد مثل هذه الخطوة، لكنهم اخفقوا في فرضها كأمر واقع في المرات السابقة كما حصل في أيلول/سبتمبر عام 2006 حينما أمر رئيس إقليم كردستان "مسعود بارزاني" برفع علم الإقليم مكان العلم العراقي القديم فوق المباني الحكومية في كركوك، مشدداً على أن الأكراد لا يطيقون رؤية العلم الذي كان سائداً في زمان حزب البعث وحكم "صدام" الذي أذاق الأكراد الويلات والكوارث وفي مقدمتها القتل الجماعي كما حصل في فاجعة "حلبجة" عندما قصفها النظام بالأسلحة الكيمياوية في عام 1988 وراح ضحيتها الآلاف من الأكراد بين قتيل وجريح معظمهم من النساء والأطفال.
وفي ذلك العام (2006) رفضت حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي رفع علم إقليم كردستان على المباني الحكومية لمحافظة كركوك وأصرت على رفع العلم العراقي وحده فوق هذه المباني، ولكن الحكومة العراقية وافقت في ذات الوقت على استبدال العلم السابق الذي كان سائداً في زمن صدام بعلم جديد بعد موافقة البرلمان على هذا القرار في يناير 2008.
والمحاولة الثانية لرفع علم إقليم كردستان فوق المباني الحكومية لمحافظة كركوك كانت في تشرين الأول/أكتوبر عام 2011، لكن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي أصدر أوامره هذه المرة أيضاً إلى القوات العسكرية برفع العلم العراقي الجديد فوق هذه المباني. وأثار هذا القرار حفيظة الأكراد لدرجة هددوا فيها برفع السلاح بوجه القوات العراقية ما لم يتم إلغاء أو تغيير هذا القرار، لكنهم رضخوا في نهاية المطاف للأمر الواقع تجنباً لإراقة الدماء من الطرفين.