الوقت - تحظى عمليات تحرير مدينة "الرقّة" السورية من عصابات "داعش" الإرهابية بأهمية خاصة كونها تأتي بعد تمكن القوات العراقية والسورية من دحر هذا التنظيم في الكثير من المناطق التي كان يحتلها وفي مقدمتها مدينة "الموصل" العراقية ومدن "حلب" و"إدلب" السوريتين.
وطبقاً للتقارير الميدانية ستشارك في هذه العمليات القوات الكردية المنضوية تحت ما يعرف بـ "قوات سوريا الديمقراطية" بدعم من قوات التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا.
ويكتنف هذه العمليات الكثير من الأمور المبهمة التي تضع المتتبع أمام احتمالات وفرضيات متعددة يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:
توقيت العمليات
تضاربت التصريحات التي أطلقت بشأن موعد انطلاق هذه العمليات إلى الحد الذي جعل المراقبين يشككون في مدى صحتها، خصوصاً وأنها صدرت عن أطراف يفترض أنهم سيشاركون في هذه العمليات لاسيّما القوات الكردية وقوات التحالف الدولي وتحديداً أمريكا.
في هذا السياق أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية "جيف ديفيس" إنه لم يتم بعد اتخاذ قرار في شأن هجوم الرقّة، فيما ذكر قائد "وحدات حماية الشعب" الكردية السورية "سيبان حمو" إن الهجوم سينطلق في بداية نيسان/أبريل المقبل، في حين قال وزير الدفاع الفرنسي "جان إيف لودريان" الذي تشارك بلاده في التحالف الدولي أن المعركة ستبدأ خلال الأيام القليلة القادمة.
ومنذ تشكيلها في تشرين الأول/أكتوبر 2015 انتزعت "قوات سوريا الديمقراطية" السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي من قبضة تنظيم "داعش" ودفعت مسلحيه في ريف الرقّة الشمالي إلى مسافة 30 كيلومتراً نحو المدينة.
كما بدأت هذه القوات في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي عملية عسكرية موسعة لطرد "داعش" من الرقّة، وتمكنت من إحراز تقدم نحو المدينة وقطع كل طرق الإمداد الرئيسية للتنظيم الإرهابي من الجهات الشمالية والغربية والشرقية، وهي موجودة حالياً على بعد 8 كيلومترات من الجهة الشمالية الشرقية عن المدينة.
وإلى الغرب من الرقّة والجنوب من نهر الفرات تسعى قوات سوريا الديموقراطية إلى السيطرة بشكل تام على مدينة الطبقة التي تعد معقلاً بارزاً للعديد من قيادات تنظيم "داعش"، إضافة إلى قاعدة جوية قريبة منها، كان التنظيم قد احتلها في آب/أغسطس 2014.
كما حققت القوات الكردية مكاسب في دير الزور التي دخلتها للمرة الأولى منذ إعلانها بدء عملية "غضب الفرات" لطرد "داعش" من معقله الرئيسي في الرقّة. وينضوي نحو ثلاثين ألف مقاتل في صفوف قوات "سوريا الديمقراطية"، ثلثاهم من المقاتلين الأكراد.
الدعم الأمريكي للأكراد والرفض التركي
تضغط أنقرة على واشنطن للتخلّي عن تحالفها العسكري مع وحدات حماية الشعب الكردية السورية التي تعتبرها تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني "بي كي كي" المصنف كمنظمة إرهابية في أنقرة.
يأتي هذا في وقت قال فيه المتحدث العسكري باسم قوات سوريا الديموقراطية "طلال سلو": "اتفقنا بشكل نهائي مع التحالف الدولي على عدم وجود أي دور لتركيا أو للفصائل المسلحة المتعاونة معها في عملية تحرير الرقّة".
وبدخول قوات سوريا الديمقراطية لمدينة "منبج" بدعم أمريكي ورفضها العودة لشرق الفرات وفقاً للمطالب التركية، أصبحت أنقرة وواشنطن في مواجهة ضمنية ترجمتها اتساع دائرة التحذيرات الأمريكية لقوات درع الفرات من دخول منبج أو التأهب للمشاركة في تحرير الرقّة.
مشاركة الجيش السوري في تحرير الرقّة
أعربت قيادة قوات سوريا الديمقراطية عن ترحيبها بمشاركة الجيش السوري كجهة وطنية في تحرير الرقّة، في حين أكد بشار الجعفري كبير مفاوضي الحكومة السورية في محادثات آستانة وجنيف إن أي هجوم تدعمه أمريكا أو تركيا على "داعش" بمدينة الرقّة لن يكون مشروعاً ما لم يجر بالتنسيق مع الرئيس بشار الأسد والقوات السورية.
وقال الجعفري: "كل وجود عسكري أجنبي فوق أراضينا بدون موافقة الحكومة السورية هو وجود غير شرعي". وأضاف: "لا يمكن لأحد أن يدعي أنه يحارب "داعش" دون التنسيق مع الحكومة السورية أو العراقية". وأوضح الجعفري أن التدخل العسكري الأمريكي المباشر في الأراضي السورية لا يخدم الحرب على الإرهاب".
وعلى كل حال لا يعني إطلاق عملية تحرير الرقّة سرعة السيطرة عليها، بقدر ما يعني إطلاق العملية بشكل رسمي وحسم جميع الخلافات المتعلقة بمن سيشارك في العملية.
وفي إطار كافة المعطيات السابق رصدها والتي توضح مدى التعقيد الذي تشهده التحالفات الدولية والإقليمية في سوريا يبدو الحديث عن تسوية قريبة للأزمة في هذا البلد احتمالاً ضعيفاً على الأقل في الوقت الراهن. فبالرغم من دخول المتغير الأمريكي على معادلة الصراع في سوريا من باب مواجهة تنظيم "داعش"، إلاّ أن هذا المتغير نفسه قد أسهم في مزيد من تشابكات خرائط النفوذ على الأراضي السورية.