الوقت- نشرت صحيفة الاندبندنت البريطانية اليوم الأحد تقريراً للكاتب البريطاني الشهير "روبرت فيسك" حول المعارك الأخيرة التي نشبت على أسوار العاصمة السورية دمشق.
فقال الكاتب مفتتحاً مقالته: كان الجندي يتألق، جروحه مضمدة ولكن الدم لا يزال على يديه، كان لديه عيون مرهقة، ساخرة، وكل هذا وسط إطلاق النار حول الكوخ الخرساني الصغير الذي تحدث فيه، وقذائف الهاون، والدبابات التي اشتعلت في جوبر كل هذا على بعد بضع دقائق من نتوء جبل قاسيون الشهير، وأضاف الجندي السوري "لقد جاؤوا بالمئات، جاؤوا في سيارات انتحارية وحين حاولنا إطلاق صاروخ عليهم، خرجوا من الأنفاق تحت الأرض"، وقال رفاقه، ربما كان عددهم أربعة آلاف من إرهابيي جبهة النصرة، وبطبيعة الحال، هو اسم واحد من الأسماء التجارية لتنظيم القاعدة التي تسيطر الآن على قوات المتمردين في المنطقة، ثم قال جندي آخر شيء غريب: لقد كانوا يتحدثون باللغة العربية الكلاسيكية".
وتابع فيسك يروي ما حدث على متاخم العاصمة: وكرر هذا الجندي الجريح: "صرخوا الله أكبر مرارا وتكرارا، نعم لقد تحدثنا عن ذلك فيما بيننا، ما الذي يجعل هؤلاء الناس يقاتلون، هذه الأيديولوجية الوهابية السلفية، كان علينا أن نقاتل على مقربة جدا منهم، أحدنا اضطر إلى استخدام حربة لطعن أحد المهاجمين في الصدر لإنقاذ حياة جندي آخر".
وقال فيسك: إنه مع قصة هذا الرجل، بدأت المعركة في الخامسة صباحا يوم الاثنين وانتهت بعد ثلاث ساعات عندما تحطمت رصاصة في ذراعه، وهو نفسه لا يزال لا يعرف كيف هرب، وأشار صعودا بإصبعه، بالطريقة التقليدية لإخبارك أن ذلك كان عمل الله، وبحلول المساء في ذلك اليوم، كان إطلاق النار على بعد نصف ميل من أبواب المدينة الرومانية القديمة، وعلى مقربة من الطريق السريع الدولي القديم إلى محافظة حمص في شمال سوريا، هناك الآن ضربات الدبابات الروسية الرئيسية الجديدة في خضم المعركة وسط انتشار الغيوم من الغبار الأسود والمدافع المضادة للطائرات التي تطلق النار على منطقة جوبر الصناعية الكبرى والتي هي أرض لمصانع الحديد الضخمة التي كان يتحصن فيها إرهابيو النصرة الذين قد يصل عددهم إلى 4000 شخص - ظهر الاثنين.
وتابع فيسك: إنه وفي وقت ما من هذا الأسبوع، خشي بعض الدمشقيين من أن تقتحم النصرة مركز المدينة، وأعلن مقدمو التلفزيون بكل سرور، "لم يفعلوا ذلك"، فإنني عثرت على طاقم تلفزيوني سوري متمركز بشكل دائم في ساحة العباسيين، أعتقد جزئيا أن إثبات قناة الجزيرة والقنوات الخليجية الأخرى المناهضة لبشار الأسد أنهم يكذبون إذ ادعوا أن النصرة قد عبرت الاستاد الرياضي المكسور على الجانب الشرقي للعباسيين.
وأضاف فيسك: ولكن ما الذي أشعل هذا الانفجار المفاجئ لمقاتلي النصرة والقاعدة هذا الأسبوع؟ هل بمناسبة بداية الثورة السورية قبل سبع سنوات؟ فلعبة المعارضة لإعطاء قيادتها المقسمة المزيد من السلطة لكسب النقاط وتدمير الجولة الأخيرة من محادثات "السلام" في جنيف هذا الأسبوع باتت واضحة، وفي كلتا الحالتين، الدبابات على قاسيون تسكب نيرانها على الطريق السريع بين القابون وجوبر لمنع قوات النصرة من نقل التعزيزات والذخائر إلى الجنوب، ولعل أفضل طريقة لتوضيح كيفية خوض هذه المرحلة الأخيرة من الحرب السورية هي السماح للجنود بالتحدث عن أنفسهم، إنها قصة الأنفاق - الكثير من الأنفاق، تماما كما كانت هناك في حصار حمص والحصار على حلب.
ونقل فيسك عن أحد الجنود قوله: "كنا في مصنع الغزل والنسيج وفي الخامسة صباحاً، رأينا سيارة انتحارية قادمة نحونا، كنا نعلم أنه قادم، حاولنا أن نطلق عليه الصواريخ، كانوا يقصفوننا بشدة وكانت سيارة مفخخة بالقرب من مصنعنا قد انفجرت في الجبهة الشمالية للمصنع، قمنا بإعادة تجميع صفوفنا، ولكن في دقائق كانوا يتسللون من الجانب الآخر من المصنع، ثم خرجت مجموعة أخرى من نفق إلى يسار المصنع، ثم وقع تفجير انتحاري ضخم آخر، وتحدث زميل الجندي نفسه عن المزيد من السيارات المفخخة، ففي اليوم الثاني، كان من الصعب التحرك بسبب الكمية الكبيرة من الأضرار والدخان، نحن أعدنا جميع الأراضي التي كنا قد فقدناها وطوقنا المئات منهم، كانت معركة شرسة ولكن بعد ذلك جاء انتحاري آخر أمريكي الجنسية يقود مركبة مدرعة روسية، تم الاستيلاء عليها في المراحل الأولى من الحرب وكانت مليئة بالمتفجرات، وهذا كله بعد أن توقفت عنهم التعزيزات من القابون إلى الشمال من العاصمة "، وجندي ثالث قال: "لقد سمعنا على إذاعتهم أن أحد قادة جماعاتهم كان محاصرا وانه كان يصرخ بائساً لرفاقه لإخراجه:" إذا لم تقوموا بإجلاءنا الآن، سوف نتخلى عن موقعنا ".
وتابع فيسك: وحتى في ضوء هذه الأحداث كان من الواضح أن الجيش السوري قد استعاد الكثير من الأراضي، فهناك الكثير من نيران المدافع الرشاشة والمدفعية يتم إرسالها إلى جوبر من قبل الجيش الآن لكن من أين كل هذه الذخائر التي تأتي إلى النصرة؟ فتحدثت إلى جندي في شارع سيف الدولة بالقرب من مدفع مضاد للطائرات مجنزر ملتف بشبكات حديدية لحمايته من الصواريخ المضادة للدروع.
واختتم فيسك بقول الجندي: "قبل شهر، اقتحمنا منزلا في برزة شمال دمشق ووجدنا حينها طائرات بدون طيار أكثر مما تتصور، غرف كاملة معبأة بطائرات بدون طيار، وثلاث غرف على الأقل مليئة بالأسلحة، من أين حصلوا عليها؟ "هناك بعض الجدل بين الجنود، كثيرون منهم، يلومون تركيا وقطر والسعودية وأمريكا.