الوقت - كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن حرب إسرائيلية وجودية على حزب الله في الجبهة الشماليّة. وترتفع أسهم هذا الرأي في ظل محاولات التهدئة الإسرائيلية على الجبهة الجنوبية والدخول في مفاوضات مباشرة فرضها مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، جيسون غيرنبلات، خلال نقاطه التسع التي اشترطها على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وكذلك السعي الأمريكي-الإسرائيلي المشترك لتصفية القضيّة الفلسطينية بأسلوب ناعم عبر مؤتمر إقليمي تشترك فيه دول عربية كمصر والسعودية والأردن، إضافةً إلى واشنطن.
وتتعزّز هذه الرؤية مع المصالحة الأخيرة التي يجريها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي سيزور واشنطن قريباً، لاسيّما أن صحيفة هآرتس العبرية قد كشفت مؤخراً عن قمة إسرائيلية-أمريكية-فلسطينية تستضيفها الأردن في مايو/ أيار القادم.
مقابل هذا الرأي، يرى آخرون أن تهديدات السيد نصرالله السابقة من الأمونيا إلى ديمونا، وكذلك الواقع الحكومي الإسرائيلي الهش قد دفع بالحرب إلى مرحلة ما بعد انتخابات الكنيست على أقل تقدير.
بين هذا وذاك، يبقى القرار بيد المجلس الوزاري المصغّر وجنرالات الجيش، وهنا تجدر الإشارة إلى التالي:
أولاً: يُجمع الخبراء على أن أي حرب جديدة ستكون عبارة عن ضربة خاطفة عبر جدول زمني محدّد يهدف لضرب حزب الله في الداخل اللبناني. هذا الاستهداف، وفق مراقبين، لن يستثني الجيش اللبناني الذي اتهمه وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بفصيل من حزب الله، كما أنّه قد يستهدف العديد من المناطق المسيحية وقصر بعبدا، بغية وضع الحزب في مواجهة داخليّة. أي أنّه بعد ضربة خاطفة سيتم إنهاء الحرب بقرار سريع عبر مجلس الأمن الذي تسعى واشنطن للتحكم به بشكل أكبر من السابق عبر المندوبة الجديدة نيكي هايلي التي هدّدت بتسجيل أسماء من يعارضوها.
ثانياً: الواقع الحكومي الهش. يعتقد البعض أن رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيعمد للهروب إلى الأمام من التحقيقات في الفساد عبر شنّ حرب خاطفة على حزب الله، إلا أن الواقع الحكومي القائم لا يصبّ في صالحه، لاسيّما مع تصاعد حدة أزمة الائتلاف الحكومي، بعد تراجع نتنياهو عن اتفاقه مع كحلون، وكذلك إعلان رئيس الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، دافيد بيتان، من كتلة "الليكود" أنّه من المحتمل أن يتم التوجه إلى الانتخابات الإسرائيلية العامة قريبا.
ثالثاً: الانتخابات المبكرة تبدو ضبابية حتّى الساعة، فمع تصدّع اليمين الإسرائيلي بسبب الخلاف بين نتنياهو وكحالون على هيئة البث العام، يرجّح البعض صعوبة الذهاب إلى انتخابات مبكرة. هذا ما أوضحته صحيفة هآرتس في افتتاحيتها اليوم الأحد معتبرة أن "نتنياهو يقوم بمغامرة شخصية وحزبية ويسعى لتقديم الإنتخابات". ولكن في المقابل، هناك من يرجّح الذهاب إلى انتخابات مقبلة، لاسيّما أن الاستطلاع الأخير الذي نشرته القناة العاشرة الإسرائيلية كشف تصدّر حزب الليكود بـ26 مقعد، وبما أنّه بعد كل حرب تتهاوى أصوات الحزب الحاكم في الكيان الإسرائيلي، كما حصل مع إيهود أولمرت في حزب كاديما بعد حزب تموز، من الصعب الذهاب إلى الحرب قبل الانتخابات.
رابعاً: رغم الحديث عن محاولات تهدئة مع قطاع غزّة، إلا أن الأيام الأخيرة كشفت حجم الواقع المتأزم على الحدود مع القطاع والقصف المتبادل. القناة الإسرائيلية العاشرة اعتبرت أنّه رغم سعي كلا الطرفين، أي "إسرائيل" والفصائل الفلسطينية، إلى تأجيل الحرب، إلا أن "ساعة المواجهة القادمة مع غزة تدق". متحدث الجيش الإسرائيلي أعلن اليوم أن الجيش سيبدأ تدريباً مفاجئاً على مستوى قيادة هيئة الأركان لقوات الاحتياط في المنطقة الجنوبية، حيث سيهرع جنود الاحتياط إلى الميدان وسيتدربون على سيناريوهات ميدانية متنوعة مع التركيز على المنطقة الجنوبية، وفق صحيفة يديعوت أحرونوت التي وصفت التدريب بالمفاجئ والكبير جدا.
خامساً: تحتاج الحرب إلى بيئة داخليّة مستقرّة، وهذا ما يفتقده نتنياهو اليوم. فإضافةً إلى الواقع الحكومي الهش واحتمال حلّها والتوجّه إلى انتخابات جديدة يتصدّرها حزبا الليكود و يشن عتيد "هناك مستقبل" الذي يتزعّمه يائير لبيد، وفق آخر استطلاعات الرأي، هناك مظاهرات من عمّال المصانع الكيميائية في حيفا والتي تمّ إخلائها بعد تهديدات السيد نصرالله، ونقل حاويات الأمونيا من مدينة حيفا.
كل هذا يبقى برسم التحليل، فلا يمكن لأحد القول إن الكيان الإسرائيلي يدخل إلى الحرب بموافقة كافّة الأحزاب الإسرائيلية، بل يقتصر الأمر على رئيس الوزراء والمجلس الأمني المصغّر الذي يضمّ عادةً أعضاء من الائتلاف الحكومي الذي تتشكّل على أساسه الحكومة بعد انتخابات الكنيست التي تجري مرّة كل أربع سنوات.
في الخلاصة، لا حرب مع حزب الله أو سوريا في ظل الخلاف الداخلي الإسرائيلي، ولكن من غير المستبعد شنّ أي ضربة خاطفة على لبنان في حال إجراء انتخابات جديدة، أو تكاتف اليمين الإسرائيلي من جديد.