الوقت - بثت قناة CNN الإخبارية فيلما وثائقيا من اعداد فريد زكريا اسمه "أقوى رجي في العالم"، وهو الفيلم الذي رد عليه الكرملين، وأثار جدلا منذ بثه؛ ومؤخرا كتب زكريا مقالا لـ CNN يوضح فيه لماذا بوتين هو الأقوى في العالم.
ويهدف الفيلم الوثائقي المشار إليه الى الإجابة عن أسئلة هامة على مستوى العلاقات الدولية حول العلاقات الأمريكية الروسية: لماذا تدخلت روسيا في انتخابات الولايات المتحدة الأمريكية 2016؟ في البلد الذي لا يُتخذ فيه أي قرار إلا بعد اطلاع الرئيس عليه والحصول على موافقته، ما الذي حفز بوتين على شن حرب الكترونية على الحزب الديمقراطي؟ لماذا يحب بوتين شخصية ترامب؟ وما ستكون نتيجة هذا الموضوع؟
ويرد فيلم زكريا على كل هذا وعلى أسئلة أخرى أيضا، وقد أبدى الكرملين ردودا مختلفة حيال الفيلم. في البداية رأى الناطق باسم الكرملين أن للفيلم الوثائقي مقاربة انتقادية وإنه يشوه الحقائق حول روسيا، ثم قال لاحقا: "يجب أن ننظر الى الفيلم بإيجابية".
وقال بسيكوف حيال الأمر: يجب أن ننظر الى الأمر بإيجابية كبيرة، حيث أن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي قد يتجاوز الإطار العاطفي، فينتج الأمريكان عملا كهذا حول روسيا. وأشار بيسكوف الى انتقاد الفيلم لروسيا وبوتين مضيفا: لم أشاهد هذا الفيلم الوثائقي حتى الآن، وسأشاهده بالتأكيد، ويمكن تقييم هذا الوثائقي إيجابيا حيث أنهم فتحوا لنا المجال للمشاركة في الفيلم وعلى الأقل ذكروا موقفنا فيه.
وفي مقاله الذي نشره في موقع CNN، كتب زكريا: في فيلمي الوثائقي الأخير اعتبرنا أن بوتين هو أقوى رجل في العالم، في حين أن الولايات المتحدة والصين هما الأقوى بالمقارنة مع روسيا، فلماذا اخترت بوتين؟
إن سلطة قائد الحكومة تُقاس وفقا لعنصرين، أحدهما سلطة البلاد ونفوذها والآخر هو إمكانية هذا الشخص لاستخدام سلطته بشكل أحادي الجانب ومن دون معارضة مؤسساتية، حزبية أو سياسية. وبمزج العنصرين نرى بوضوح لماذا يتصدر بوتين القائمة.
لقد أسس بوتين في روسيا ما يُسمى بالسلطة العمودية - Vertical Power – وهو أمر لا نراه في البلدان الأخرى. وفقا لما يقوله أستاذ الشطرنج الروسي، والمعارض الشديد لبوتين، كاسباروف، يقوم هيكل السلطة في روسيا على ركن واحد. عندما توفي القيصر، كان الجميع على علم بأن هيكل السلطة سيبقى قائما بعده، وسوف تتطور العملية السياسية على يد ابنه. وعندما توفي أمين عام الحزب الشيوعي السوفيتي، كان هناك اللجنة الدائمة للحزب والمكتب السياسي –مؤسسة سياسية تنفيذية متكونة من عدة أحزاب وعلى رأسها الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي- فاختاروا خلفا له. ولكن ما الذي سيحصل عندما يموت بوتين؟! لا أحد يعلم ذلك!
ومن أجل فهم بوتين، يجب أن نفهم روسيا. شهدت روسيا أحداثا هامة خلال العقد الماضي منها سقوط القيصرية، انهيار الديمقراطية، الكساد الكبير، الحرب العالمية الثانية التي أودت بحياة عشرات الملايين من الروس، عنف الدكتاتور ستالين غير المسبوق، سقوط الاتحاد السوفيتي ومرحلة الفساد والتمرد في عهد بوريس يلتسين.
بعد ذلك جاء بوتين ليقود البلد نحو الاستقرار، وارتقى بحياة المواطنين ومنح البلاد أفضلية أكسبتها الاحترام على مستوى العالم، وهذا الاحترام مهم جدا. ويفتخر الروس بوطنهم، حيث يعد الأكبر على الأرض تبلغ مساحته 48 ضعف مساحة ألمانيا، ويشمل 11 منطقة زمنية ويمتد من أوروبا الى آسيا وحتى الشرق الأوسط.
وتعد روسيا بلدا غنيا يملك أكبر مناجم المواد الأولية والمعدنية بالإضافة الى النفط والغاز ومنها النيكل والألمنيوم. ومن الناحية الثقافية يرى الروس أن بلادهم هي روما الثالثة، حتى عندما سقطت روما وبيزنطة بيد البربر، حافظ الروس على دينهم المسيحي.
إن بوتين يفهم روسيا جيدا؛ كما يفهم العالم جيدا أيضا، وليس بوتين بساذج فيفتح جبهتين للهجوم على الولايات المتحدة وأوروبا في آن واحد. بل إنه يعلم جيدا كيف يستخدم القوة غير المتكافئة والمخابرات المضادة.
كما ان بوتين مطلع جيدا على نقاط ضعف المجتمعات الحرة- الصراعات والانشقاقات الداخلية في هذه المجتمعات، وهو على علم تام بضعف مؤسسات مثل الاتحاد الأوروبي.
واختتم فريد زكريا مقاله كاتبا: بعبارة أخرى إن فلاديمير بوتين يعرفنا جيدا ويفهمنا، ولكن الأهم من كل ذلك هو هل نحن ودونالد ترامب نعرف بوتين جيدا أيضا ونفهم كيفية تفكيره؟