الوقت- "الصفقة الكبرى" أو"صفقة الحد الأقصى"، تلك هي العبارات التي يطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على خطة سلام شاملة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي (نؤكد أن الصراع هو عربي إسلامي وليس فلسطينياً فحسب).
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مؤتمر سلام إقليمي في الأردن أو مصر بمشاركة ترامب والسعودية وبعض الدول الإقليمية. وبالفعل وصل مساء أمس الإثنين إلى الكيان الإسرائيلي المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي ترامب، للشؤون الدولية والشرق الأوسط "جيسون غرينبلات" الذي سيعقد عدة اجتماعات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيس الدولة رئوفي ريفلين، ومن ثم سيتوجه إلى رام الله لمقابلة رئيس السلطة محمود عباس.
زيارة "غرينبلات" التي تهدف لإحداث تقدم في المفاوضات المتعثرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ سنوات، وفق القناة العبريّة الثانية، تأتي بعد أيام على الاتصال الهاتفي بين ترامب وعباس، والذي دعا فيه الأول الأخير لزيارة البيت الأبيض، وليرفع في اليوم التالي قرار تجميد المساعدات التي أقرتها الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة باراك أوباما في أيامها الأخيرة محوّلاً إلى السلطة 220 مليون دولار، كجرعة "حسن نيّة".
لا ندري، لحسن الحظ أم لسوءه، أن الجانب الإسرائيلي نفسه غير متفائل بالمؤتمر، فقد وصفته صحيفة يديعوت أحرنوت بالفاشل، وقد كتب الصحيفة في مقدّمتها تعليقاً على المؤتمر: لا حل، الآن، ولن يجدي نفعاً أي سبيل يحاولون الوصول به إليه محادثات مباشرة على اتفاق دائم، مؤتمر إقليمي، أو أي ابتكار آخر.
يوضح مقرّبون من ترامب أن الخطوة التالية للرئيس الأمريكي هي عقد مؤتمر سلام إقليمي، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا إقليمي وليس دولي؟ ما هي أهداف المؤتمر؟ وما هي فرص النجاح والفشل؟
تسوية أم تصفية؟
لطالما دأب الكيان الإسرائيلي على إبقاء القضية الفلسطينية ما بين تل أبيب ورام الله، أي عدم إدخال أي طرف آخر على خط المواجهة، إلا أن الوصول إلى طريق مسدود دفع بالسلطة للخروج نحو أطراف دوليه (الأمم المتحدة واللجنة الرباعية). لم تكن التجربة الدولية مثمرة للجانب الإسرائيلي، لذلك يحاول اليوم ترامب إبقاء الأمر في السياق الإقليمي الذي يهدف لتحقيق هدفين رئيسيين. الأول الابتعاد عن الضجيج الدولي الذي يفرض على الكيان الإسرائيلي التزامات ترى نفسها بالغنى عنها، والثاني محاولة التأقلم مع المحيط العربي عبر مؤتمر "التصفية" للقضية وليس تسويتها من خلال حضور أطراف جديدة على طاولة يحضر عليها نتنياهو نفسه، كالسعودية وغيرها.
اللافت أن الجانب الإسرائيلي يدرك أن الأمر لا يعدو عن كونه مضيعة للوقت، كما أسلفنا أعلاه. توضح صحيفة معاريف في مقال للكاتب جلعاد شارون أنّه "ما كان بوسعهم (الفلسطينيين) أن يحصلوا عليه قبل 70 سنة ولم يكن يكفيهم لم يعد بوسعهم أن يحصلوا عليه بعد "حرب الاستقلال 1948" وما كان في أيديهم ولم يكفهم قبل 50 سنة بات ضائعا بعد حرب "الأيام الستة 1967"، فهل يعي الجانب الفلسطيني والعربي ذلك؟. للأسف تجيب الصحيفة نفسها عن السؤال الذي طرحنا أعلاه: لن يشكلوا (الفلسطينيون) بعد اليوم أي جهة، وستنتهي صناعة السلام عديمة الغاية، التي ترزق غير قليل من الآكلين بالمجان والمشهرين بنا، فكيف يجيب دعاة السلام والمفاوضات على ذلك؟!
لا يكتفي الجانب الإسرائيلي بكل هذا، بل تعتزم الحكومة تأسيس صندوق "جبل الهيكل" (أي المسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف)، كما أن وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قد اعتبر أن "معادلة السلام" مقابل الأرض مصيرها الفشل. بعد كل هذا يخرج رئيس السلطة الفلسطينية ليقول "أن الفلسطينيين متمسكون بالسلام كحل استراتيجي يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل".
إذاً، يمكننا القول أن المؤتمر الإقليمي هو مناورة سياسيّة يقوم بها نتنياهو، لإرضاء ترامب من ناحية وتقديمه كرجل سلام، لا نستبعد أن ينال الرئيس الأمريكي جائزة نوبل للسلام كما حصل عليها سلفه أوباما في العام، ومن ناحية أخرى المزيد من التأقلم مع المحيط الحكومي العربي، لا الشعبي، إضافة إلى قطع الطريق على أي جهود لعقد المؤتمر الدولي للسلام عبر استبداله بالمؤتمر الإقليمي.
وهنا نسأل: لماذا يريد الجانب الإسرائيلي الخروج من الدائرة الدولية إلى الدائرة الإقليمية؟. لنجيب بأن المقترح الأمريكي الإسرائيلي يهدف بشكل رئيسي لنسف قرار الأمم المتحدة حول دولة فلسطين رقم 199/ 67 لعام 2012، والذي رسم حدود دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة، تلك العاصمة التي يريدها ترامب مقرّ لسفارته.
يبدو أن البيت الأبيض عازم اليوم تخطّي حظوظ أسلاف ترامب في هذا الملف بغية إحراز السلام بين الفلسطينيين والكيان الإسرائيلي من ناحية، والكيان الإسرائيلي والمحيطين العربي والإسلامي من ناحية أخرى. إلا أنّه هناك العديد من العقبات أمام ترامب لتخطيّها، منها: السلطة الإسرائيلية نفسها، الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلاميّة.
ولكن هل فشل ترامب هو فشل لنتنياهو؟ نجيب بكلّا، لأن هذا المؤتمر سيحقّق غاية الكيان الإسرائيلي في التأقلم مع المحيط العربي دون التنازل عن أي قطعة أرض مغتصبة سوءاً قبل العام 1967 أو بعده، لا بل قبل العام 2017 أو بعده.