الوقت- تأتي زيارة الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" إلى روسيا اليوم للمشاركة في اجتماع مجلس التعاون التركي- الروسي في العاصمة موسكو ومن المنتظر أن يلتقي الأخير نظيره الروسي "فلاديمير بوتين". وهذه الزيارة هي الثانية لأردوغان خلال ثمانية أشهر لروسيا، حيث سبقتها زيارة له في آب أغسطس الماضي إضافة إلى لقاءات أخرى بين الجانبين على هامش مؤتمرات دولية، أتت بعد مرحلة من تصاعد التوتر بين البلدين على خلفية إسقاط طائرة مقاتلة روسية على الحدود التركية السورية بذريعة انتهاكها للأجواء التركية.
من الواضح أن من أهم أهداف هذه الزيارة هي السعي التركي لإعادة توثيق العلاقات مع موسكو، وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، حيث كان الاقتصاد التركي قد تضرر كثيرا إزاء الاجراءات الروسية التي تبعت أزمة سقوط طائرتهم. أما الموضوع المطروح بقوة أيضا ضمن برنامج الزيارة والذي لا يقل أهمية بالنسبة للأتراك هو موضوع حصول أنقرة على منظومة الدفاع الجوي الروسية S 400 والتي تعتبر من أهم أنظمة الدفاع الجوي عالميا وقد تتفوق على نظيرتها "الباتريوت" الأمريكي.
وحول هذا الموضوع هناك الكثير من التساؤلات المطروحة، فعلى رغم التصريحات الروسية التي لم تظهر إلى الآن أي مانع من حصول أنقرة على هذه المنظومة إلا أن مراقبين يؤكدون أن الصفقة لا زالت في مراحلها الأولية، ولا زال من المبكر التنبؤ بحقيقة الموقف الروسي من تزويد عضو في الناتو بهذه المنظومة.
"الكساندر فومين" مسؤول منظمة التعاون الفني والعسكري الروسية، أكد لصحفيين أن جلسة ستعقد بين الجانبين خلال زيارة أردوغان لبحث تسليم الأتراك منظومة الـ S 400 دون أن يقدم أي تفاصيل أخرى.
وأما الجانب التركي فقد أعلن وزير الدفاع "فكري اشيق" أن المباحثات مع الروس لشراء المنظومة جارية، مؤكدا أن الموقف الروسي غير ممانع. وهذا ما أكده أيضا بدوره أحد مستشاري الرئيس التركي، الذي صرح أن الزيارة تأتي لتعزيز العلاقات الإقتصادية إضافة إلى التباحث حول استلام منظومة الـ S 400 التي تحتاجها تركيا.
وبالعودة إلى هذه المنظومة الروسية الذائعة الصيت، فقد تم الاتفاق على تسليمها إلى الصين من بين عدة بلدان تسعى للحصول عليها دون الوصول إلى نتائج ملموسة إلى اليوم. ومنذ مدة أكد "فلاديمير كوجين" مساعد الرئيس الروسي في أمور التعاون العسكري والفني أن دولا عدة أجرت مفاوضات مع الروس من أجل الحصول على هذه المنظومة من ضمنها الهند التي لم تصل المباحثات معها إلى خواتيمها حتى الساعة.
وبالعودة إلى الموضوع التركي، وأخذا بعين الاعتبار الوجود الفاعل في حلف الناتو، إضافة إلى التواجد الكبير للمارينز الأمريكي في قاعدة انجرليك الجوية التركية، فإن حساسية الأمر تصبح أعلى لدى الروس بطبيعة الحال. لأسباب كثيرة من أبرزها الخوف من وقوع هذه المنظومة بيد أمريكا ودول حلف الناتو.
خاصة أن هذه المنظومة لم تخرج إلى الآن من أيدي الجيش الروسي، ولا تزال هي أهم منظومة دفاع جوي روسية معتمدة لحماية النقاط الاستراتيجية في البلاد. حيث تنتشر هذه المنظومة على طول الأراضي الروسية وهي موكلة بحماية العاصمة موسكو من أي تهديد خارجي بما في ذلك التهديدات المعرضة لها من حلف الناتو. وهذا الأمر لا بد من أن يشكل قلقا للروس من وقوع أسرار هذه المنظومة في أيدي أعدائها. خاصة أن المنظومة المطورة أي S 500 لا زالت قيد التصنيع، وحاليا يجري تدريب أفراد من الجيش الروسي على استخدامها بعد الانتهاء من تصنيعها.
إذا وبمعزل عن العداوة التي طبعت العلاقات الروسية التركية، بعيد إسقاط الطائرة الروسية فإن موسكو لا تملك خيارا أنجح يحمي منشآتها الحيوية إلى الآن. لذلك فالمتوقع هو أن تطول المباحثات بين الطرفين ليتأكد الروسي من النوايا التركية، ومن صدق العلاقات بين الطرفين. وهذا الأمر لا يمكن أن يحصل عليه الروس إلا من خلال الأداء التركي في الملفات التي تتقاطع فيها المصالح بين البلدين. وهي ملفات كثيرة قد يكون أهمها حاليا ملف الأزمة السورية، والتي لم تفلح أنقرة إلى اليوم باتخاذ سياسة تناسب الروس، فبعد تقارب لفترة قصيرة ما بين الأتراك من جهة وروسيا وإيران من جهة أخرى عاد رجب طيب أردوغان مجددا إلى مرحلة المطالبة برحيل الأسد الفوري. مما لا يترك مجالا للشك أن السياسة التركية لا زالت براغماتية إلى حد كبير إزاء ملفات المنطقة. وهذا الأمر يعزز المخاوف الروسية من أي صفقة احتمالات الخسارة الاستراتيجية فيها كبير للغاية.
خلاصة الحديث، من الصحيح أن الروس لم يطلقوا إلى الآن موقفا صريحا ضد هذه الصفقة، إلا أن تاريخ السياسات الروسية يؤكد أنه أسلوبهم المعتمد. حيث تستفيد روسيا من هذا الأمر في جر ترکیا للتفاوض معها في ملف منظومة الـ S 400 بنفس طويل قد يستغرق سنوات، بموازات ذلك تصبح هذه ورقة للضغط غير المباشر على ترکیا في الملفات الأخرى كالأزمة السورية.