الوقت- تتواصل مفاوضات الحج بين الوفدين الإيراني والسعودية. الوفد التفاوضي الإيراني غادر البلاد الثلاثاء الماضي متوجّهاً إلى مدينة جدة السعودية بناءً على دعوة وجهتها له الرياض للتفاوض بشأن مشاركة الحجاج الإيرانيين في موسم الحج القادم، وذلك بعد عامين من القطيعة إثر حادثة التدافع التي وقعت بمشعر منى والتي أدّت إلى استشهاد 464 حاج إيراني إضافةً إلى أضعاف هذا العدد من دول أخرى.
المفاوضات لا تزال مستمرّة نظراً لكثرة المواضيع المطروحة على الطاولة، وقد جاء في بيان منظمة الحج الإيرانيّة أنّه "تم خلال الأيام الماضية عقد العديد من الاجتماعات على مستوى الخبراء من قبل الطرفين المتفاوضين، لبحث ومناقشة الأبعاد المختلفة لقضية حج العام المقبل، إلا أنه وبسبب تشعب المواضيع المتعلقة بهذا الأمر وضرورة متابعتها، فإن المفاوضات لا تزال مستمرة".
بصرف النظر عن نجاح المفاوضات أو فشلها، رغم أنّنا نرجح الخيار الأوّل بعد أن أدركت السعوديّة جديّة الطرف الإيراني في مطالباته حتى لو كانت النتائج وقف موسم الحج للإيرانيين، تبادل كلا الطرفين العام الماضي الاتهامات بتسييس الحج، وذلك بعد مطالبة طهران للرياض بضمان أمن الحجاج الأمر الذي وضعته الأخيرة في سياق التسييس رغم أن كافّة دول العالم تضمن أمن الرعايا الوافدين إليها.
ويتسم التعاطي السعودي بمزاجيّة واضحة في التعاطي مع مسألة الحجاج، ليس الإيرانيين فحسب، حيث تمنع منذ عدّة سنوات السوريين واليمنيين من التوجّه لأداء شعيرة الحج، وذلك في إطار الضغط على الحكومات والدول التي تربطها علاقات متوتّرة مع السعوديّة، مقابل رفع حصّة الحجاج للعديد من الدول التي تربطها علاقات جيّدة مع الرياض.
لم تكن إيران الدولة الوحيدة الممتعضة من العبث بأمن الحجاج، فقد أبدت العديد الدول امتعاضها من هذا الأمر لاسيّما بعد تقديم ألاف الحجاج شكاوى عدّة إلى بعثاتهم بسبب سلوك الأمن السعودي، إلا أن امتعاض هذه الدول لم يصل لمطالبة السعودية بتقديم ضمانات لأمن الحجاج، كما فعلت طهران، فهل يكون طلب أي بلد من الدولة المستضيفة ضمان أمن رعاياها سياسياً؟
ولو فرضنا أن حادّثة منى لم تحصل، هل كانت طهران لتقدم على مطالبة الرياض بهذا الأمر، خاصّة أن السلطات السعوديّة لم تبد أي تعاون يذكر بعد فاجعة منى، بل عمدت وبشكل فوري إلى التكتّم على عدد الشهداء، ليس ذلك فحسب، بل سارع الملك السعودي سلمان عبد العزيز لإرسال برقية تهنئة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف معبّراً فيها عن امتنانه للأخير بسبب نجاح موسم الحج!
بصرف النظر عن الاتهامات بين إيران والسعودية، إنّ تكرار الحوادث التي يتعرّض لها الحجاج خلال السنوات الأخيرة من فاجعة منى إلى حادثة سقوط الرافعة في الحرم المكي، وما قبلها، يؤكد عجز الرياض عن إدارة الحج، بصرف النظر عن السبب قصوراً كان الأمر أم تقصيراً، لتُطالب السعودية بإيكال مراسم الحج إلى جهة مستقلّة، تكون السعودية أبرز أعضائها إضافةً إلى الدول الإسلاميّة الكبرى، كمنظمة التعاون الإسلامية التي تتّخذ من مدينة جدّة السعوديّة مركزاً لها، إلا أن الرياض قد أجابت حينها عبر مندوبها في الجامعة العربية أحمد القطان بالقول إن "المملكة ستبقى الوحيدة المختصة بتنظيم الحج، دون أي تدخلات خارجية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها"!
لا ندري حقيقة أين هي المطالبات السياسيّة لإيران في ما يتعلّق بموسم الحج، فهل مثلاً لو طالبت السعودية تركيا بضمان أمن سائحيها تكون هذه المطالبات سياسيّة؟ بالطبع لا، إلا أن الغضب السعودي من الموقف الإيراني في ملفات سياسيّة إقليميّة عدّة بدءاً من سوريا والعراق، مروراً بالبحرين ووصولاً إلى اليمن، دفع بالسلطات السعوديّة لاستغلال المطالبات الإيرانيّة المحقّة بضمان أمن حجّاجها ووضعها في الإطار السياسي.
عوداً على بدء، قد يتساءل البعض هل ستعود طهران للمطالبة بضمان أمن حجّاجها باعتبار أن هذا الأمر قد يؤدّي إلى توتير الأجواء مجدّداً؟ وزير الثقافة والإرشاد الإيراني رضا صالحي أجاب على هذا السؤال قائلاً: إن "سياسة إيران تقضي بإرسال حجاج إلى الحج (هذا العام)، طبعا إذا وافقت السعودية على شروطنا، مضيفاً: وجهت رسالة إلى وزير الحج السعودي حددت فيها شروطنا (...) إذا قبلوها فسنرسل الحجاج بالتأكيد هذا العام، وإلا فالمسؤولية تقع على السعوديين". وما هي هذه الشروط؟ يجيب أيضاً عليها الوزير الإيراني في المقابلة نفسها التي أجراها أمس الأربعاء مع التلفزيون الإيراني: طهران تسعى لضمانات لصون "كرامة وسلامة" الحجاج قبل أن توافق على استئناف إرسال الحجيج الموسم القادم، الذي يبدأ أواخر أغسطس/آب المقبل، فهل ستضع السعودية مجدّداً المطالبات الإيرانيّة هذه في الخانة السياسيّة؟