الوقت - تعيش الحدود الروسية تصعيداً غير مسبوق من قِبل قوات دول الناتو. تصعيدٌ يختلف في رسائله والتي اعتبرتها روسيا رسائل حرب، عن توجهات أمريكا المُعلنة. الأمر الذي طرح العديد من التساؤلات حول حقيقة الموقف الأمريكي المُنادي بالتهدئة مع روسيا، وما يُناقضه من تحركات عسكرية أوروبية ضدها. فماذا في التصعيد العسكري الجديد ضد موسكو؟ وكيف يمكن تطور الواقع العسكري بين روسيا والغرب خلال العام الحالي؟ وكيف ردت موسكو؟ وما هي أهم دلالات ما يجري؟
التصعيد الجديد ضد روسيا: وصول تعزيزات عسكرية الى ليتوانيا!
أعلنت وزارة الدفاع الليتوانية، الأربعاء الماضي، أن معدات عسكرية ثقيلة معدة للإنتشار في ليتوانيا تابعة للكتيبة الدولية لمنظمة حلف شمال الأطلسي، ستصل من ألمانيا إلى ليتوانيا يوم الجمعة القادم. وأكد بيان وزارة الدفاع أنه من المتوقع أن تصل في 24 شباط الحالي، عربات سكك حديدية تم تحميلها بالمعدات العسكرية في أرض تابعة للقوات المسلحة الأمريكية من مدينة "غرافينفور" الواقعة جنوب شرق ألمانيا، وتضم حوالي 60 وحدة من معدات عسكرية مختلفة، بما في ذلك دبابات "ليوبارد"، وناقلات الجند "ماردر" والمركبات الهندسية "داش" وغيرها من المعدات والتي ستصل الى قاعدة روكلا العسكرية الواقعة على مسافة 100 كيلومتر من الحدود الروسية، فيما ستكون هذه الأسلحة جزءاً من المجموعة القتالية للكتيبة الدولية التابعة لحلف شمال الأطلسي في ليتوانيا.
الواقع بين الغرب وروسيا: تحركات عسكرية تصعيدية!
عدة وقائع وأحداث حصلت بين الغرب وروسيا تدل على التصعيد. نُشير لها في التالي:
أولاً: منذ عشرة أيام خرج بيان للقوات المسلحة الأمريكية في أوروبا، ليتحدث عن قرار اتخذته واشنطن بإرسال نحو 1000 جندي لبولندا، خلال شهر نيسان المقبل، بهدف تعزيز قدرات الردع والدفاع المشترك لحلف الناتو. وهو ما ربطه الطرف الأمريكي بإنتهاء هذه القوات من التمارين العسكرية الجارية حالياً في مدينة "فيلسك" الألمانية. حيث ستتوجه الكتيبة بعد ذلك نحو "أورزيس" شمال شرق أوروبا قرب منطقة "كالن غراد" الروسية.
ثانياً: خلال القمة الأخيرة للناتو في تموز الماضي، تم اتخاذ قرار بتعزيز الوضع العسكري للجناح الشرقي لقوات الناتو. وهو ما اعتبره الخبراء أمراً بدأ ترجمته منذ فترة، فيما تأتي الخطوة الحالية ضمن هذا السياق. كما ينوي حلف الناتو نشر 4 كتائب من قوات متعددة الجنسيات في بولندا ودول البلطيق خلال العام الحالي.
ثالثاً: منذ منتصف شهر كانون الثاني المنصرم وحتى اليوم، حمل الجيش الألماني نحو 120 حاوية و200 عربة. فيما يتولى الجيش الألماني قيادة كتيبة الناتو في ليتوانيا. فيما من المُنتظر إرسال ما مجموعه 450 جندي ألماني إلى هناك خلال الأسبوع الجاري، منهم 300 متواجدون بالفعل في منطقة الجناح الشرقي للناتو.
رابعاً: مع بداية العام الحالي، أعلن حلف الناتو أنه سيُرسل 1000 جندي إلى كل من ليتوانيا واستونيا ولاتفيا وبولندا. وهو ما يُعتبر بحسب الخبراء العسكريين، أكبر عملية نقل للقوات باتجاه الشرق منذ نهاية الحرب الباردة.
الرد الروسي: موسكو تعتبر التحركات إستعداداً للحرب!
أكّد رئيس لجنة الدفاع بمجلس الدوما الروسي "فلاديمير شامانوف" أن تحركات حلف الناتو المُقررة قرب الحدود الروسية تشير إلى أنهم يستعدون لحرب مع موسكو. وأشار شامانوف الى أن تلك الخطوة التكتيكية قد تكون إعداداً لحرب مع الكرملين، معتبراً أنه على الرغم من تسميتها عملية احتواء لروسيا، فإن موسكو تعتقد أن تلك القوات والمعدات قد تُستخدم لشنّ هجوم ضدها. وهو ما يمكن إضافته الى تصريحات الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بأن الناتو يستفزّ روسيا ويسعى لجرّها إلى النزاع. حيث أمر بوتين القوات الجوية الروسية بالإستعداد للحرب، مع وصول قوات إضافية للناتو في استونيا ولاتفيا وبولندا.
أين حقيقة الإدعاءات الأمريكية تجاه روسيا؟: تحليل ودلالات
عدة مسائل يجب الوقوف عندها، يمكن ذكرها في التالي:
أولاً: أعلن حلف الناتو أن هذه التعزيزات أتت كرد فعل على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وهو ما أدى إلى توترات كبيرة بين الناتو وروسيا. فيما تشعر دول البلطيق الثلاث ليتوانيا ولاتفيا وأستونيا بالإضافة إلى بولندا بالتهديد من قبل روسيا. كما أن الصراع الأوكراني بين القوات الحكومية والإنفصاليين الموالين لروسيا، كان قد اشتعل مؤخراً على خلفية إعلان الأخيرة اعترافها بأوراق وجوازات سفر سكان تلك الأقاليم "دونتسك، ولوجانسك".
ثانياً: يأتي تصعيد الناتو رغم تعهّد الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب، بعدم الصدام مع روسيا لتجنّب وقوع ما وصفه بـ "محرقة نووية". فيما يبدو واضحاً التوجه الأمريكي الهادف الى تسوية الأمور بين موسكو وواشنطن على الرغم من أنه لم يُخفِ مطالبة موسكو مؤخراً بتهدئة الأجواء في أوكرانيا وإعادة القرم.
ثالثاً: إن هذا التوجه الغربي يُناقض الإدعاءات الأمريكية والتي يجري اليوم التساؤل حول مصداقيتها. فالتوجهات العملية لحلف الناتو تدل على وجود نية في المضي قُدماً بالسياسات المُقررة، والتي تم الإتفاق عليها مع الإدارة الأمريكية القديمة. فيما لم يتضح حتى الآن موقف الإدارة الجديدة والتي يبدو أنها تعتمد السياسة البراغماتية في التعاطي مع الملف الروسي.
رابعاً: يبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة تعيش مرحلة من التخبُّط تجعلها ضعيفة أمام مواجهة التحديات الدولية. فالإدارة الجديدة لم يُرحَّب بها من قِبل الأطراف الأوروبية بالشكل المُعتاد، فيما يمكن أن تقوم أمريكا بإستغلال هذه الدول كعادتها لدفعها نحو المواجهة مع روسيا. الأمر الذي يُترجم حقيقة النوايا الأمريكية بالترويج للغة التفاهم مع موسكو من جهة، والإستمرار بلغة التصعيد عبر استغلال الأطراف الأوروبية من جهة أخرى.
خامساً: يطرح هذا التصعيد، حقيقة العلاقة الجديدة بين الدول الأوروبية وأمريكا. فهل باتت العلاقة بينهم، دليلاً على التناقض في التوجهات الإستراتيجية؟ أم أن هذا هو واقع الحال بين الطرفين؟
إذن، كما يمر العالم بمرحلةٍ من التغيُّر في المعادلات، تعيش الأزمة الأوكرانية أو الأزمة بين الغرب وروسيا مرحلة لا تختلف في آثارها عن الصراع الدولي بين أمريكا وروسيا أو أمريكا وإيران أو أي ملفٍ يحمل في نتائجه أثراً على الشأن الدولي كالملف السوري على سبيل المثال. في حين أتى التصعيد الغربي ليطرح تساؤلاتٍ حول التوجهات الحقيقية للإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الطرف الروسي من جهة، وعلاقتها المتوترة مع الدول الأوروبية من جهة أخرى.